بضعة أيام وسيحل على الأمة العربية والإسلامية ضيف عزيز على قلوب الجميع، يأتي بعد اكتمال دورة الفلك ومرور عام كامل حتى حل به المطاف واقترب قدومه، فما أجمله من ضيف وما أحسن مضيفيه!!.
إنه شهر رمضان المبارك يأتي هذا العام والعالم العربي والإسلامي يعيش مرحلة استثنائية بل قل: صعبة جداً؛ بسبب ثورات الربيع العربي التي لم تنته بعد وبقت مرحلة مخاضها سنين متوالية، ومازالت تعاني وتتألم مراحل المخاض، فمنها من قضت نحبها ومنها من تنتظر ولادة عهد جديد مفعم بالتغيير والحرية.
يأتي شهر رمضان هذا العام قائلاٌ: لن تفلحوا أيها الشعوب العربية والإسلامية إلا إذا استغللتم أيامكم بقواعد مهمة تخلصكم مما أنتم فيه وتجعلكم مقبلين على شهر الحسنات إقبال الظامئ إلى الماء العذب من أجل أن تتضاعف فيه حسناتكم أضعافاً كثيرة، وتغلّ فيه الشياطين ومردة الجن، فماهي هذه القواعد؟.
إن قواعد استقبال هذا الضيف كثيرة ولا يتسع المقام لذكرها، لكن سنورد ما يتناسب مع واقع الحال والمآل، وأولها: الدعاء بأن يبلغكم الله تعالى شهر رمضان وتحمدون الله وتشكرونه على بلوغه ثم تفرحون وتبتهجون بقدومه، والدعاء سلاح من لا سلاح له؛ لأنه يربطنا بخالقنا وخالقنا إذا دعوناه بحق لاشك أنه سيفرج عنا ما نحن فيه - عاجلاً أو آجلاً - من ضيق وكرب وتآمر على الإسلام والمسلمين ووحدة الصف والكلمة.
وثانيها: يجب علينا أن نعقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة ونتعلم ونتفقه أحكامه؛ كي يأتي وقد أعددنا له العدة وربطنا جأشنا، فيزيد حبه لنا ونزيد حباً له؛ لأنه موسم الطاعات والبركات والدرجات.
وثالثها: علينا أن نستقبله بالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب والإقلاع عنها وعدم العودة إليها؛ لأن الذنوب تميت القلوب وجلاؤها التوبة والإنابة والذكر، وما أكثر ما سمعنا ورأينا في بعض الشعوب العربية ومنها يمننا الميمون أنه لا يمر يوم إلا وفيه قتيل هنا وقتيل هناك إن لم يكن أكثر، وكأن قتل النفس المحرمة مباح ولا حول ولا قوة إلا بالله، الأمر الذي يزيد من بعدنا عن خالقنا وتزيد ذنوبنا ومعاصينا، ولكن رمضان فرصة رابحة بأن نستقبله بترك المنكرات والرذائل مهما قلت أو كثرت.
ورابعها: نحن بحاجة إلى الدعوة إلى الله على بصيرة؛ لأن الحق واحد وخيوط الباطل كثيرة، واستقبالنا لرمضان يتطلب الدعوة إلى الله بكل ما أوتينا من قوة، متذكرين الفقراء والمساكين وما يجب علينا تجاههم من بذل الصدقات والزكوات لهم؛ لأن الدعوة إليه سبحانه دعوة رحمة ومواساة، ونحن بحاجة أيضاً إلى أن نفتح صفحة بيضاء مشرقة معه سبحانه ومع رسوله صلى الله عليه وسلم بطاعتهما فيما أمرا واجتناب ما نهيا عنه وزجرا، وفتح صفحة بيضاء مع الوالدين والأقارب والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة، وفتح صفحة بيضاء مع المجتمع الذي نعيش فيه حتى نكون عباداً صالحين ونافعين للآخرين ومحققين للاستخلاف في الأرض كما أمر به الشرع.
وخامسها: يجب أن نستقبل رمضان بسلامة الصدر من الحقد والحسد والبغضاء والكراهية، وألا تكون بيننا وبين أي مسلم شحناء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - في صحيح الترغيب والترهيب: يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا مشرك أو مشاحن، ولن يتم ذلك إلا بمحاسبة النفس وأن يكون القلب سليماُ من كل الأدران والرذائل مصداقاً لقوله تعالى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)الشعراء.
ورحم الله القائل:
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب
حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما
فلا تصيره أيضاً شهر عصيان
واتل القرآن وسبح فيه مجتهداً
فإنه شهر تسبيح وقرآن
alsharifa68@yahoo.com