بعد تلكؤ استمر اكثر من عام، قررت تركيا القاء كل ثقلها السياسي والعسكري الى جانب الخطة الامريكية التي تهدف الى اجتثاث “الدولة الاسلامية” وكل الجماعات “الجهادية” الاخرى من سورية والعراق، مقابل اقامة مناطق حظر جوي في الشريط الشمالي السوري بمحاذاة الحدود التركية.
السيد مولود جاويش اوغلو وزير الخارجية التركي اكد بعد لقائه نظيره الامريكي جون كيري امس في ماليزيا ان الاستراتيجية الجديدة ستنتقل الى حيز العمل بهجوم امريكي تركي كاسح على قواعد “الدولة الاسلامية” في الرقة والموصل في الايام القليلة المقبلة.
اللقاء الثلاثي الذي انعقد في الدوحة قبل ثلاثة ايام وضم وزراء خارجية امريكا وروسيا والمملكة العربية السعودية تمخض عن اتفاق بدعم لهذه الاستراتيجية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عن فرض نجاحها اولا، وموقف السلطات السورية منها ثانيا، وانعكاساتها المتوقعة على تركيا وموازين القوى في المنطقة برمتها ثالثا.
نقطة الضعف الرئيسية في هذه الاستراتيجية انها تستهدف عدوا واحدا، ولكن القوى المشاركة في تنفيذها متعددة، وغير متجانسة، ومصالحها متضاربة، واستثناء ايران من المشاركة قد يؤدي الى اضعافها ان لم يكن تخريبها.
***
القضاء على “الدولة الاسلامية” لن يكون عملية سهلة، علاوة على كونها مكلفة جدا بشريا وماليا، فهذه الدولة تملك مؤسسات، وقيادة عسكرية ذات خبرات عملياتية كبيرة (نسبة كبيرة من ضباطها من قوات الحرس الجمهوري والجيش العراقي السابق)، وعقيدة قتالية وايديولوجية انتحارية، وحاضنة شعبية، لا يجب التقليل من شأنها.
من الواضح ان تركيا الرئيس اردوغان ستكون رأس الحربة في الهجوم الجديد بريا على الاقل، بينما ستقوم الطائرات الامريكية بتكثيف الغارات الجوية انطلاقا من قاعدة انجرليك الجوية التركية في الجنوب الشرقي، والجيش التركي يملك خبرات متميزة في حرب العصابات، بالنظر الى خوضه حربا مستمرة منذ ثلاثين عاما ضد حزب العمال الثوري الكردستاني، ولكن الولايات المتحدة التي نجحت وحلفاءها في اجتثاث حزب البعث، فشلت فشلا ذريعا في هزيمة المقاومة العراقية، ومن قبلها الافغانية ايضا، رغم انها دربت قوات “صحوات” في العراق، وجيش نظامي في افغانستان، وتحكمت باجواء البلدين بكل حرية لانعدام اي قدرات دفاعية جوية للمقاومتين العراقية والافغانية.
النقطة الاخرى التي لا نستطيع تجاهلها هي امكانية توحد الجماعات الاسلامية في جبهة واحدة، او وضع خلافاتها جانبا طالما انها، او بعضها، مستهدف في المخطط الجديد، واذا لم يتحقق هذا التوحد، فمن غير المستبعد ان تحدث انشقاقات، خاصة ان قوات المعارضة المعتدلة التي تدربها القوات الامريكية في تركيا والاردن وقطر ستكون مهمتها قتال “الدولة الاسلامية” وليس النظام السوري، اي انها ستكون قوات مرتزقة امريكية على غرار قوات “الكونترا” في نيكاراغوا، وقوات دايتون في الضفة الغربية.
الامر الغامض يتعلق بعدم وجود اي ردة فعل قوية من قبل السلطات السورية تجاه هذا المخطط الامريكي التركي الجديد، ولا نستبعد ان تكون حصلت على “تطمينات” بانها اي السلطات السورية، ليست مستهدفة، وان هذا المخطط يتضمن مشروعا سياسيا يستند على عدة نقاط ابرزها وقف اطلاق النار وحكومة وحدة وطنية انتقالية، وتعديل الدستور، واجراء انتخابات عامة يشارك فيها الرئيس الاسد، ومن المرجح فوزه فيها، وهي النقاط الاربع التي وردت في المبادرة الايرانية.
حتى المنطقة العازلة التي انتزعتها حكومة الرئيس اردوغان من امريكا، وحصلت على حق حمايتها، مقابل اشتراكها في الحرب ضد “الدولة الاسلامية” بقوة، قد تتعرض للاختراق من قبل الجماعات الجهادية، وربما تؤدي الى توحيد الاكراد في سورية وتركيا معا ضدها.
***
بالنظر الى هذا المخطط الامريكي على الخريطة يبدو مبهرا يحمل كل عناصر النجاح، ولكن الخرائط شيء، والتطبيق العملي شيء آخر، عندما يتعلق الامر بالحروب المليئة دائما بالمفاجآت السارة وغير السارة.
لا نريد ان نستبق الامور ونقفز الى النتائج، وما يمكن قوله ان التحالف الامريكي الروسي التركي السعودي الذي يتبلور ضد “الدولة الاسلامية” وربما جبهة “النصرة” و”احرار الشام” ايضا، مقدم على “مقامرة” خطيرة جدا، وحتى لو اتسمت بالنجاح، وهذا موضع شك، مثلما قلنا سابقا، فان تركيا ستخرج منه متخنة بالجراح، اصابعها، او بعضها، محروق، لان الهدف الاساسي لامريكا والغرب عموما هو توريطها واستنزافها.
*رأي اليوم