تخطط الادارة الامريكية لجعل العام الحالي 2016 عام القضاء على “الدولة الاسلامية” في ثلاث دول عربية هي العراق وسورية وليبيا، وكان الاجتماع الذي ترأسه وزير خارجيتها جون كيري في روما اليوم الثلاثاء بحضور وزراء خارجية يمثلون 23 دولة الخطوة الابرز في هذا الاتجاه.
تحضيرا لشن هجمات جوية وبرية مكثفة من قبل دول التحالف الامريكي بدأت القوات الامريكية الخاصة تتدفق على سورية والعراق لمحاولة الاستيلاء على مدينتي الموصل والرقة، وسط انباء عن تحضيرات لقصف جوي لمواقع “الدولة” في ليبيا، حتى ان شهود عيان اكدوا ان مئات العائلات الليبية بدأت تتدفق الى معبر رأس جدير على الحدود مع تونس في اليومين الماضيين، تحسبا لغارات جوية وشيكة لطائرات حلف الناتو لضرب مواقع “الدولة الاسلامية”.
***
الوزير كيري قال في مؤتمر روما ان “الدولة الاسلامية” خسرت اكثر من 40 بالمئة من الاراضي التي تسيطر عليها في العراق وسورية، بينما اكد مسؤول عسكري امريكي ان غارات طائرات التحالف الستيني نجحت في اغتيال حوالي مئة من قادتها من الصفين الاول والثاني، للايحاء بان الحملة الامريكية تحقق نجاحات في الجو والارض.
الرئيس الامريكي باراك اوباما يريد ان يحقق انجازا مهما، في عامه الاخير في البيت الابيض، اي القضاء على “الدولة الاسلامية”، ولكن قد يكون هذا الانجاز صعبا، واذا تحقق كليا او جزئيا، فانه سيكون مكلفا له وللدول المنخرطة في تحالفه، فوزير الخارجية الايطالي باولو جنتيلوني الذي ترأس اجتماع روما اعترف في تصريحات صحافية “نعلم ان امامنا تنظيم يتمتع بصلابة شديدة، وقادر على وضع خطة استراتيجية وعلينا بالتالي ان لا نقلل من خطورته”.
المهمة تبدو سهلة على الورق، ولكن عندما يتم نقلها الى ميادين التطبيق العملي، فان النتائج قد تكون مختلفة كليا، بالنظر الى تجارب سابقة مماثلة، مع اعترافنا مسبقا بان المقارنة ليست متطابقة، لاختلاف الظروف واللاعبين الاساسيين.
التجربة الاولى: شن اسرائيل عدوانين على قطاع غزة في غضون عامين، كان آخرها صيف عام 2014، ورغم ان مساحة القطاع لا تزيد عن 150 ميلا مربعا، ويقع تحت حصار مصري اسرائيلي شرس، فان القوات الاسرائيلية فشلت فشلا ذريعا في السيطرة عليه ونزع اسلحته وصواريخه، او فرض الاستسلام على فصائل المقاومة الاسلامية المدافعة عنه رغم قصف بري وبحري وجوي استمر 52 يوما.
التجربة الثانية: العدوان الاسرائيلي على لبنان صيف عام 2006، والذي استمر 33 يوما، وفشلت فيه الطائرات والدبابات الاسرائيلية في هزيمة حزب الله، والتقدم كيلومتر واحد في العمق اللبناني.
القوات العراقية المدعومة بغطاء جوي وقوات خاصة امريكية التي دخلت مدينة الرمادي، وجدت تحصينات وانفاق دفاعية شديدة التعقيد تحت الارض، ومن غير المستبعد ان يتكرر الشيء نفسه في مدينتي الرقة والموصل، الاكبر مساحة، والاكثر سكانا، وهناك تقارير تتحدث عن شبكة انفاق ضخمة تحت المدينتين.
ندرك جيدا انه لا يجب التقليل مطلقا من قوة التحالف الذي يسعى حاليا للقضاء على “الدولة الاسلامية”، فهو يضم قوتين عظميين، وعدة قوى اقليمية اوروبية، ولكن يجب ان نضع في اعتبارنا ان التحالف نفسه الذي احتل العراق (باستثناء روسيا) خرج مهزوما بعد ثماني سنوات، اما نظيره الذي استهدف ليبيا ونجح في تغيير نظامها (حلف الناتو) فها هو، وبعد خمس سنوات يعود الى مسرح الجريمة نفسه لمعالجة عيوب عملياته الاولى.
نقطة الضعف الابرز في جميع خطط امريكا، وحلفائها القدامى والجدد، انهم يركزون على الحلول الامنية فقط، ولا توجد لديهم اي خطط لمعالجة الاسباب التي ادت الى نشوء “الدولة الاسلامية” وتوسعها بهذه السرعة.
***
من الصعب علينا ان ننخرط في صفوف المتفائلين بنجاح الخطط الامريكية في القضاء على “الدولة الاسلامية” في الاشهر العشرة القادمة، كما يريد الرئيس اوباما كخاتمة لعهده، لان هذه “الدولة” “تمددت” فعلا، ووصلت الى ليبيا وافغانستان واليمن والسعودية وباكستان واندونيسيا واوروبا نفسها، ووجودها الايديولوجي اخطر بكثير من وجودها العسكري، ووقوف معظم الدول الخليجية على حافة الافلاس بسبب تراجع العوائد النفطية، وتصاعد الخلافات والانقسامات الطائفية، والصراع السني الشيعي، وانتشار حالة الاحباط، والاهانة، والبطالة في صفوف الشباب في منطقة عربية واسلامية يشكل الشباب نسبة 70 بالمئة من مواطنيها عوامل كلها ستجعل استئصالها عملية شبه مستحيلة بغض النظر عن اعداد او حجم القوى المتحشدة خلف هذا الهدف.
التدخلات العسكرية الامريكية في ليبيا والعراق واليمن، وبهدف تعزيز اسرائيل وتفوقها العسكري، وتدمير الجيوش العربية التي كانت تهدده، هي التي وفرت البيئة الحاضنة لنمو “الدولة الاسلامية”، وخلق دول فاشلة تسودها الصدامات الدموية، والامر المؤكد ان التدخلات والمخططات الجديدة التي نقرأ عنها هذه الايام ستؤدي الى النتيجة نفسها، سواء ببقاء المنظمات نفسها، او ظهور اخرى بأسماء جديدة.
السؤال الاكبر هو: ماذا بعد قصف ليبيا والهجوم على الموصل والرقة وتدمر؟ ومن هم قوات “الصحوات” الجدد.. بل من هم “ثوار الناتو” في طبعتهم الجديدة؟