الأهم من إيقاف العمليات العسكرية من قبل الحكومة في صعدة والملاحيظ وحرف سفيان التي أعلن الحوثيون القبول بها قولاً ورفضوها فعلاً، أن تكون هناك قناعة مشتركة وصادقة ومستندة إلى ضمانات فعلية بأن يعود المتمردون إلى ساحة المواطنة السليمة..
وبأن تكون هذه الحرب التي يطلق عليها البعض الحرب السادسة نهاية الحروب، وبداية جادة وصادقة لتسليم الأسلحة الثقيلة، وإعادة بسط سلطة الدولة والجلوس إلى مائدة الحوار حول أي مطالب سلمية وحقوقية معقولة ومقبولة للحوثيين تحت سقف الدستور والقوانين النافذة بحيث تصدق الدولة بالإيفاء بما تعد به المتمردين من الحقوق والحلول لإرساء العلاقة السليمة بينها وبينهم باعتبارهم جزءاً من المواطنين المتساوين بالحقوق والواجبات دون مفاضلة أو تمييز يؤدي إلى المساس الكلي أو الجزئي بفكرة المساواة المستندة إلى الحق والعدل في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... إلخ.
لأن الاقتناع بالسلام أهم من إيقاف الحرب تحت ضغط الميدان ؛ لأن ما يمكن لهذه الجماعة تحقيقه من الانتصارات العسكرية والانتصارات السياسية التي تجعل منها دولة داخل الدولة؛ سوف يفتح المجال لغيرها من الجماعات المتربصة.
أقول ذلك وأقصد به أن لا ينطلق أي طرف من طرفي الحرب بما لديه من حسابات الربح والخسارة بقدر ما ينطلق الجميع من رغبة مشتركة في نبذ الحرب والاحتكام إلى السلام بين الدولة وبين المجتمع اليمني.
لأن العلاقة بين الدولة وبين مواطنيها لا ينبغي أن تقوم على هذا النوع من الباطنية التكتيكية الباحثة عن استراحة المحارب المتمرد لكي يتمكن من إعادة بناء نفسه استعداداً لحرب جديدة التي تفقد الظاهر ما ينطوي عليه من مضامين باطنية متطابقة تمارس في العلن نفس ما تؤمن به في السر.
وتنتهج الأساليب السلمية بديلاً للأساليب العنيفة في مجمل مواقفها وعلاقاتها الداخلية والخارجية من منطلق وطني يمني جمهوري وحدوي ديمقراطي يحرم على الدولة انتهاك حقوق المواطنين، ويحرم على المواطنين التمرد على الدولة.
ويؤمن لجميع الأحزاب والتنظيمات السياسية ساحات مفتوحة من الحريات الخاصة والعامة والاحترام المتبادل رغم الاختلاف الموجب للتعدد والتنوع والتداول السلمي للسلطة بشرعية انتخابية تنافسية وبشفافية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؛ محكومة بالدستور والقانون.
ومعنى ذلك أن الحرب بين الدولة وبين مجاميع متمردة عليها خيانة وطنية موجبة للمعاقبة باعتبار الدولة الديمقراطية هي المسئولة الوحيدة عن قرارات الحرب وقرارات السلم كما هو معمول به في كافة الدول والبلدان الديمقراطية الناشئة والناضجة.
ودون الاقتناع بذلك لا نستطيع أن نتصور للحروب نهاية غير حاملة لبداية المفاهيم لحرب جديدة أشد عنفاً وضراوة من الحرب السابقة لها، ودون اقتناع الدولة بقدسية حقوق المواطنة، ودون اقتناع المتمردين بأنهم جزء من مواطني الجمهورية اليمنية لهم ما للشعب من الحقوق والحريات؛ وعليهم ما على الشعب من الواجبات الوطنية غير القابلة للتمييز والمفاضلة يصبح الحديث عن السلام أكذوبة كبرى قابلة للتراجع من النقيض إلى النقيض.
استمرار العمليات العسكرية أفضل من تعليق العمليات العسكرية المستعرة نظراً لما تنطوي عليه من مخاطر العودة الأعنف للتمرد الذي يعد نفسه لجولة حرب جديدة مع الدولة تضيف دماء إلى دماء، وتزهق أرواحاً إلى أرواح ودماراً إلى دمار، وتضحيات إلى تضحيات، تغلب الإحباط على الأمل، يتضرر منه الجميع ولا يستفيد منه سوى الأعداء.
لأن هذه الحرب الملعونة التي تسفك فيها الدماء وتزهق فيها الأرواح اليمنية لابد لها من نهاية غير حاملة بداية جديدة وجولة جديدة من القتال غير المشروع؛ لا ينبغي أن تضع أوزارها إلا من خلال الاتفاق على قدسية المواطنة والولاء للدولة؛ لأن عدم اعتراف المتمردين بأنهم مواطنون يضعهم بمثابة دولة داخل الدولة؛ وذلك هو المستحيل.
ودون ذلك يتحول التمرد إلى ظاهرة دائمة قابلة للتكرار سواء من قبل المتمردين أنفسهم الذين يوهمون أنفسهم بأنهم الجانب المنتصر، وأن الدولة هي الجانب المهزوم؛ يدفعهم إلى المزيد من استضعاف دولتهم أم من قبل غيرهم من المتربصين الذين يتحينون الفرص المواتية للمطالبة بالانفصال والتمرد على الدولة الفاقدة لما قبلت التفريط به من الهيبة والقدسية تحت مبرر السلام الهش والرضوخ لما لدى المتمردين من نوايا عسكرية ومن مطالب تعجيزية تتنافى مع أبسط المقومات والأبجديات الدستورية والقانونية المنظمة للعلاقة المتوازنة والمتناغمة بين الدول وبين الشعوب في العالم بأسره.
أقول ذلك وأقصد به أن الجمهورية اليمنية ليست لبنان، وأن الدول المحيطة بها ليست اسرائيل، وإن المتمردين الحوثيين لا يمكن أن يكون لهم نفس الفرص والسلاح الذي حصلت عليه المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله.
لأن القبول بشعار الحوثيين «الموت لأمريكا، الموت لاسرائيل» في الجمهورية اليمنية المعادية لاسرائيل والمؤيدة للحق الفلسطيني معناه القبول بامتلاكهم السلاح والتدريب العسكري وشرعية التمرد على الدولة والاعتداء على اخوانهم المدنيين والعسكريين، وقتلهم أو نهبهم وسلبهم بتهمة العمالة للأمريكيين والاسرائيليين.
ناهيك عما يتطلعون إليه من إقلاق لأمن واستقرار الدول المجاورة إرضاءً للدولة الداعمة والمساندة لهم مثل جمهورية إيران الاسلامية الشيعية وغيرها من الجماعات الشيعية الحاكمة التي تتخذ من اليمن ساحة لتصفية حساباتها وثاراتها مع المملكة العربية السعودية الاسلامية السنية لتكرار تجربة حزب الله مع الكيان الاسرائيلي.
متناسين أن اليمن والسعودية دولتان عربيتان اسلاميتان معاديتان لاسرائيل وليستا مستعمرتين تابعتين للولايات المتحدة الأمريكية كما هو الحال في العراق وافغانستان.
وهكذا يتضح مما تقدم أن عبدالملك الحوثي لا يمكن أن يكون نسخة طبق الأصل من السيد حسن نصر الله، وأن جماعته الخارجة على القانون التي أفرطت في أعمالها العدوانية وممارساتها الإرهابية لا يمكن وصفها بالمقاومة الجهادية المشابهة للمقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله في لبنان.
وفي هذا الإطار لابد من وضوح في أية عملية وفاقية واتفاقية نابعة من الحرص على السلام حتى لا تكون النهاية الهشة لتعليق العمليات العسكرية بداية جديدة لحرب سابعة تفتح المجال لهدنة هشة وقابلة لميلاد حرب دموية أشد مما قبلها من الحروب التي بدأت فجأة وانتهت فجأة بعنف أشد من العنف السابق، وبجنون أكبر من الجنون الذي رافق الحروب السابقة.
وهذه حقيقة يجب أن تكون واضحة للحوثيين وللدول الداعمة والمساندة لهم ولكافة الدول والهيئات والمنظمات الدولية الحريصة على وقف الحرب من ناحية إنسانية نفترض سلفاً بأنها مجردة من الناحية السياسية للتدخل.
لأن الدولة بقبولها هذا السلام الهش سوف تغامر بإضعاف ما لها من الهيبة وبصورة قد يترتب عليها فقدان ما تحظى به من التأييد الشعبي الذي ضاق ذرعاً بهذا النوع من الحروب الأهلية المتقطعة التي تبدأ بقرارات خارجية وتتوقف بإرادات خارجية نابعة من الحرص على نصرة المتمردين على الشرعية الدستورية للدولة الديمقراطية.