رغم أن بعض مصادر الخطر تبدو صغيرة، وأحياناً يخيل لنا أنها تافهة، إلا أن مواجهتها تستدعي من الحكومات حشداً وجهداً عظيماً، وقد لايفضي كل ذلك إلى حسم سريع ونهائي.. فالحرب الدولية على الإرهاب احتشدت لها دول كثيرة بينها قوى كبرى، تمتلك أحدث تكنولوجيا الحرب، لكن ذلك لم يقض على تنظيم القاعدة رغم مرور مايقارب ستة أعوام من المواجهة المتواصلة..
السؤال الذي يراودنا دائماً هو: لماذا يعجز العالم بكل جيوشه وأجهزته الأمنية وتقنياته الحربية عن تجفيف منابع الإرهاب.. رغم أن عناصره لايتجاوزون بضع آلاف على مستوى العالم أو أقل بكثير..!؟
ولماذا تطول الحرب في اليمن بمواجهة التمرد الحوثي، رغم الفارق الهائل في العدة والعدد..!؟ هل هذه الفئات تتمتع بشجاعة أو ذكاء أكبر.. أم ماهو السر بالضبط..!؟
لاشك أننا إذا ماقسنا الأمور بمعادلات العدة والعدد فلن نجد مبرراً إطلاقاً، لكن السر يكمن في المعادلات الأخلاقية والانسانية.. فالدولة عندما تقاتل المتمردين تضع في حساباتها أن الإنسان هو القيمة الأغلى التي لايمكن التفريط بها، وبالتالي فهي تحرص على حياة جنودها، وتتفادى الاقتراب من التجمعات المدنية حفاظاً على أرواحهم، وممتلكاتهم، وخوفاً من زيادة معاناتهم..
لكن عندما يتعلق الأمر بالحوثيين أنفسهم، نجد أنهم لايكترثون لأرواح مقاتليهم، ويزجونهم في عمليات انتحارية، وعندما يضيق بهم الأمر يلوذون إلى الأحياء المدنية ويختبئون وسط الأهالي.. وإذا ماشكوا مجرد شك بأن أحد البيوت لايؤيدهم، أو يتنصل عن التعاون معهم فإنهم لن يترددوا لحظة في هدم البيت على رؤوس كل من فيه.. وهكذا فإنهم يحاربون بدون أخلاق ولا إنسانية ولا احترام للحياة البشرية..
إن هذا النوع من الخطر لابد أن يرهق الدولة لأنه أيضاً يتجاوز منطق العقل، حيث إن الناس تقاتل من أجل سلام المجتمع، والحياة الكريمة لأبنائه، في حين تأتي العناصر الإرهابية بأحزمة ناسفة فتفجر نفسها أو تموت من أجل أن تقتل آخرين.. ومن هنا يجد العالم صعوبة بالغة في مواجهة هذه الجماعات الغارقة بثقافة الموت.. وهي في الحقيقة فلسفة عصية على إدراك العقل البشري، ربما لأنها قائمة على خلفيات دينية مهيمنة على الذات، ومستحوذة على كل خطوط تفكيرها..
الإرهابيون فئة صغيرة جداً لكنهم يتحولون إلى خطر عظيم لأنهم يعيشون في أوساطنا، وغير مميزين عن سواهم من حيث المظهر، ويجعلون كل ماحولهم من بشر ومبنى وشجر أهدافاً لعملياتهم، ولايتورعون عن الانتحار وسط أطفال أو نساء أو مصلين في مسجد لذلك يصعب إدارة المعركة معهم.. كما أنه طالما هم يتحركون بوازع التعبئة الفكرية فإنه لاشيء يردعهم غير البناء الفكري والثقافي السليم للمجتمع- وحتى في ظل مثل هذا البناء يبقى هناك من يشذ وينحرف إلى مسار العنف..
وعليه فإن الحروب التي تخوضها الدول في مواجهة الإرهاب هي في حقيقتها جزء من الصراع بين قوى الخير وقوى الشر، والذي سيستمر حتى تقوم الساعة.. ولن يكون بيد أحد منا إيقاف طواحين الحروب لأنها قدرنا الذي يجب أن نواجهه بوعي وحكمة وإرادة صلبة لنكبح جماحه عند المستوى الآمن.. على أن نبقى بعدها يقظين من أي تنامٍ جديد لقوى الشر التي ستبقى تتربص بنا الدوائر مترقبة ساعة غفلتنا عنها لتطل برأسها مجدداً..