الاستعمارية الطويلة للمملكة المتحدة إلا أن الفشل كان حليفها في (البصرة) التي تكبدت فيها قواتها خلال عامي 2008 - 2009 خسائر بشرية فادحة جراء سوء إدارتها للأوضاع العراقية، والتي كانت السيدة (فونيا غيب) سفيرة بريطانيا الحالية في اليمن على رأس قيادة مكافحة الإرهاب البريطانية في البصرة آنذاك..
ويبدو أن الساسة البريطانيين لا يقرأون تجاربهم السابقة لاستلهام العبر منها، والاستفادة منها في أدوارهم الدولية اللاحقة، لذلك كان قفز السيدة (غيب) على معطيات الواقع العراقي هو الخطأ الذي أحبط جهودها في مكافحة الإرهاب، وهو نفس الخطأ الذي تكرره في اليمن بحسب تقييمها للساحة اليمنية في تصريحاتها لصحيفة (صانداي تلغراف) التي وصفتها بأنها (منهارة) و(فاشلة).. وهو تقييم يفتقر إلى كثير من الحكمة والقراءة الموضوعية للواقع اليمني.. بداية كنت أتمنى من سعادة السفيرة أن تقرأ المشكلة اليمنية في إطار الحرب الدولية على الإرهاب، التي تنظر للإرهاب كمشكلة دولية عابرة للقارات وليست قطرية، ومن أجل وضع اليد على منابع إنتاج الإرهاب والفكر المتطرف أولاً ليتسنى حينئذ تحديد آليات تجفيف مستنقعاته الحاضنة ليرقات القاعدة وغيرها، وإذا ما فعلت ذلك ستكتشف أن أول عملية إرهابية كبيرة شهدتها اليمن لم تكن تفجير المدمرة (كول) بل كان اختطاف (15) سائحاً بريطانياً في أبين عام 1998م وقتل ثلاثة منهم على يد مجموعة إرهابية يتزعمها أبو حمزة المصري - إمام أحد المساجد في بريطانيا، وحامل الجنسية البريطانية، ورفضت حكومة صاحبة الجلالة تسليمه لليمن آنذاك.. ولم يكن المصري إلا واحداً في طابور أشهر الإرهابيين في العالم، الذين اكتسبوا ثقافة التطرف في بريطانيا كالطالب النيجيري، الذي حاول تفجير طائرة أمريكية، والطبيب العراقي الذي نفذ قبل أسبوع عملية انتحارية في السويد وآخرين.
للأسف المجتمع الدولي عندما يتحدث عن الإرهاب في اليمن يتنكر لحقيقة أن هناك دولاً مصدرة للإرهاب في الجوار اليمني، وقد أصبحت أشبه بمفاقس الدجاج، كلما دفعت للأسواق بشحنة عوضتها بتفريخ المزيد والمزيد.. وكان الأولى بالمجتمع الدولي تسليط أضوائه على مفاقس الإرهاب والتطرف وليس أسواق استهلاكه.
ما نقلته سعادة السفيرة البريطانية - حديثة العهد في اليمن - على لسان بعض دول الاتحاد الأوروبي بأن (بريطانيا تقوم برد فعل مبالغ فيه) هو نفس المنطق الذي نعتقده، فالسيدة (غيب) التي تتحدث عن (فشل) يمني لم تقل إن القاعدة، التي كانت تستهدف البارجات وناقلات النفط في عرض البحر، وتقتحم السفارة الأمريكية بصنعاء وقفت عاجزة عن إصابة سيارة السفيرة البريطانية بصنعاء في أكتوبر الماضي أو قبلها إلحاق أدنى ضرر بسيارة السيد (تيم تورلوت) السفير السابق..!! أليس هذا دليل فشل الإرهاب ونجاح الدولة في شل قدراته؟!..لا شك أن التهويل البريطاني لإمكانيات الإرهاب ومنحه شهادة زور مجانية بأنه نجح في تدمير اليمن وتحويلها إلى دولة فاشلة يعد بمثابة الدعم الأعظم، الذي يقدم للجماعات الإرهابية لتعزيز معنوياتها، مقابل تثبيط معنويات قوى مكافحة الإرهاب، ولعله نفس الدعم الذي كان الإعلام يمنحه للجماعات، التي كانت تهاجم معاقل القوات البريطانية في البصرة فيشجعها ويغري غيرها على شن المزيد من الهجمات على ما كان يصوره الإعلام بأنه (صيد سهل) حتى حصدت عشرات الجنود البريطانيين وتسببت بنقل السيدة (غيب) إلى إحدى القوى الجوية.
من المؤكد أن محاولات استهداف السفراء البريطانيين لم يكن عبثاً، بل للدور البريطاني الكبير في تدريب قوات مكافحة الإرهاب اليمنية، وكان يكفي سعادة السفيرة الرهان الذي كسبه اليمن في تنظيم بطولة كأس الخليج رغم تحدي القاعدة بمنعه، لتنتزع السيدة (غيب) شهادة تقدير لفرق التدريب البريطانية بأن جهودهم قد أثمرت، وبأن الإرهاب عجز على مدار أكثر من عامين على ضرب أي هدف حيوي في اليمن، بل إنه يقف عاجزاً عن أن يمس شعرة من سعادة السفيرة الموقرة.