تثير مسألة الحسم العسكري تخوف البعض من توسع المواجهات وقيام حرب اهلية في اليمن , غير ان الواقع يقدم معطيات تتناقض مع هذا التخوف من نواحي عديدة فاليمنيون لديهم تجارب سيئة مع الحروب والازمات ولاتتوفر لديهم النية لدعم اي مواجهة مسلحة بدون قضية تستحق التضحية كقضية الدفاع عن الوحدة التي قدم اليمنيون من اجلها الغالي والنفيس في حرب صيف 94, وهو قضية مغايرة لما يحدث اليوم ,فالجميع يدرك ان الصراع الدائر حاليا تثيره أقلية فاسدة ليس لديها ما تخسره بعد ان ألقت بكل أوراقها ولم تجد التأييد الكافي من الشعب لمنحها شرعية الانقلاب على الحكم, وتؤكد المعلومات الأولية تورطها القيادة الانقلابية في محاولة اغتيال رئيس الجمهورية وكبار مسئولي الدولة مطلع يونيو الماضي بمسجد النهدين , والتي أكدت ابتعادها كليا عن الحركة السلمية التي بدأها المعتصمون منذ قرابة ثمانية اشهر للمطالبة بالتغيير والإصلاح المالي والإداري ومحاربة الفساد.
القضية هنا لم تعد حماية الثورة المزعومة والمعتصمين الذين الذين ولوا هربا من تعسفات متطرفي الأخوان المسلمين بقدر ما هي حماية للشخصيات المتورطة في أعمال التخريب والقتل وخصوصا جريمة مسجد الرئاسة, وهنا يصبح الحسم ضمن واجبات الدولة في حماية المواطنين الذين تضرروا على نطاق واسع من حشد المسلحين والتوغل داخل الأحياء والتجمعات السكنية ليس لحمايتهم ولكن للاحتماء بهم , فضلا عن قطع الطرقات ومضايقة السكان واحتلال مؤسسات الدولة وتدمير محتوياتها بصورة همجية , وإثارة الرعب بسبب نشر الجنود والآليات العسكرية في الطرق والشوارع , مما أدى إيقاف الاستثمارات وشل حركة النشاط الاقتصادي وتزايد الخسائر اليومية للدولة جراء ضرب أنابيب النفط ومنشآت الكهرباء وقطع الطريق أمام وصول إمدادات الغاز والمشتقات النفطية الضرورية للمواطن.
ولعل الجميع يدرك الآن اتساع الهوة بين إرادة التغيير الشعبية ورغبة التدمير الذاتية وتصفية الحسابات السياسية على حساب المواطن فقطع الكهرباء والغاز والبنزين لا يضر بأعضاء المؤتمر الشعبي وحدهم بل يضر بالجميع دون استثناء, واذا كان البعض يريد إسقاط النظام فانه لايريد قطعا إسقاط الدولة وتدير ممتلكات الشعب, وهنا يجب التفريق بين ما يريده الطامحون للحكم والمتصارعون على السلطة وبين ماتريد أغلبية الشغب من ترسيخ الأمن وتحسين ظروف المعيشة والخدمات.
ومن يراهنون اليوم في المعارضة على الحسم العسكري يدركون ان لا خيار أمامهم سوى الفوضى , أما الشعب فلا تزال لديه الكثير من الخيارات , وهذا لا منع من تفويض الدولة باستعمال القوة اللازمة لردع أقلية مخربة محصورة في مناطق محددة يسهل التعامل معها عسكريا وهذا يقلل من الخطورة ولا يعني بالضرورة حربا مفتوحة, فالسكوت على ممارساتها سيشجع على المزيد من الفوضى والانفلات الأمني وسيشغل الدولة عن اداء واجباتها الأساسية في تقديم الخدمات للمواطنين, فالأضرار باتت واضحة للعيان والمواطن وحده يدفع ثمن الحماقات التي يرتكبها المغامرون, ولا ضير من التضحية بأقلية فاسدة تدعي الدفاع عن مصالح الشعب وتتصرف عكس ذلك.. وصار مؤكدا أن التردد في ردع هؤلاء فساد بحد ذاته .
|