ذات يوم ليس بالبعيد وبالتحديد في أواخر عام 2009م تحدّث الشيخ يوسف القرضاوي في ندوة عقدت بمقر نقابة المحامين المصريين بالقاهرة؛ خلص في نهاية حديثه إلى أن سيد قطب خرج بفكره عن العقيدة التي عليها أهل السنة والجماعة، وبعد هذه الندوة بأيام قليلة ظهر الشيخ يوسف القرضاوي على قناة «الفراعين» في برنامج «منابر ومدافع» ومرة أخرى قال الشيخ القرضاوي إن ما كتبه سيد قطب من أفكار خلال المرحلة الأخيرة من حياته يؤكد خروجه عن أهل السنة والجماعة بوجه ما، فأهل السنة والجماعة يقتصدون في عملية التكفير حتى مع الخوارج؛ قطب أخطأ في قضية تكفير مجموع المسلمين وليس فقط الحكام والأنظمة، والكلام للشيخ القرضاوي، لا شك أن قطب يتحمل بعض المسؤولية عن تيار التكفير، فقد أخذ أفكار المودودي ورتّب عليها نتائج لم تخطر على بال المودودي نفسه، وهذا أيضاً ما فعله شكري مصطفى، مؤسس جماعة «التكفير والهجرة» حيث أخذ أفكار قطب وخرج منها بنتائج لم تخطر على بال قطب، حيث اعتبر شكري أن جماعته التي أسماها «جماعة المسلمين» هي فقط التي على الإسلام وما دونهم فهم كفار.
الشيخ القرضاوي, وبلغة الناصح الأمين والحريص على الإخوان الذي هو من كبار قادتهم ومشائخهم قال إن منهج قطب ليس منهج الإخوان المسلمين، وإن أفكاره لا توافق فكر الإخوان، وحذّر كل الإخوان الذين يقرأون لسيد قطب من أن يقعوا أسرى أفكاره التكفيرية.
طبعاً ما قاله الشيخ القرضاوي في تلك المقابلة أثار ردود أفعال قوية في أوساط قيادات الإخوان الذين بادروا بالهجوم عليه والرد على ما قاله القرضاوي، كما طالبوا من معد البرنامج في قناة «الفراعين» أن يسمح لهم ويعطيهم المجال للرد والدفاع عن سيد قطب، وفعلاً تم استضافة محمود عزّت والدكتور محمد مرسي كمندوبين عن جماعة الإخوان المسلمين، حيث قال محمود عزت إن أفكار السيد قطب هي أفكار الإخوان، أما الدكتور محمد مرسي ـ الذي أصبح رئيساً لجمهورية مصر بعد أشهر من هذه المقابلة ـ فقد قال: «عند ما قرأت للأستاذ سيد قطب وجدت فيه الإسلام بما فيه من السعة والرؤية الشاملة للإسلام، صحيح أن قطب يقول نصوصاً تكفيرية؛ ولكننا لا نعتبرها نصوصاً تكفيرية، ويجب لمن يقرأ لسيد قطب أن يتعلّم اللغة العربية أولاً .. قلبي على القرضاوي الذي لايعرف العربية ولا يتقن غير التركستمانية، فإذا عرف العربية سيعرف أن ما يقوله قطب هو الإسلام».
الغريب أن الشيخ يوسف القرضاوي الذي انتقد قبل أشهر فكر السيد قطب ورفض فكر التكفير وحذّر من الوقوع ضحية هذه الأفكار الخاطئة؛ نراه اليوم يسير على نفس الطريق، ويعمل بذات الفكر التكفيري الذي حذّر منه الشيخ القرضاوي، وهو نفسه اليوم من يطلق الفتاوى التكفيرية، وهو من قال: «إن من خرج على مرسي؛ خرج عن الإسلام» وهو أيضاً من اعتبر معاداة الإخوان هي معاداة لله ورسله، كما أنه هو من كفّر النظام السوري وكل من يقف إلى جانب النظام من علماء دين ومدنيين وعسكريين وغيرهم، فوقع في المحظور الذي حذّر منه.
فهل يمكن القول: إن الشيخ القرضاوي قد عمل بنصيحة محمد مرسي وتعلّم اللغة العربية؛ ولهذا نراه اليوم يتصدّر قائمة العلماء بعدد الفتاوى التكفيرية، أم أن الولاء للجماعة أجبره على التنكُّر لقناعاته، والسير في ركبهم، والتماشي مع فكر الجماعة بما يحقّق الهدف الذي يسعون إليه، «فمع الجماعة مخطئ، ولا وحدك مصيب»..؟!.