الوعود والممارسات الزلزالية حدَت بالعقل الجمعي الرشيد في الداخل الأمريكي إلى المراجعة والعمل على مواجهة الحقائق بواقعية، ولهذا وجدنا الديمقراطيين في حالة مراجعة حكيمة لا تراجع جبان كما يزعم العُتاة، لكن هذه المراجعات لا تروق لليمين الريغاني، وقد بدأوا لتوِّهم في قض مضاجع المواطنين البسطاء، من خلال افتعال أزمة داخلية، عنوانها «منع تطبيق قانون إصلاح الخدمات الطبية» ومآلاتها تعطيل جملة القوانين الإصلاحية المحتملة.
لقد اختاروا هذه المرّة عنواناً داخلياً مُربكاً، بعد أن ثبت بطلان إمكانية اختيار عنوان خارجي، خاصة أن روسيا والصين انتصبتا في أروقة المنظمات الدولية.
هذا وقد عبّر الرئيس الأمريكي أوباما، وبصريح العبارة عن معنى التحدّي الداخلي الجديد الذي تواجهه إدارته، مُشيراً بالبنان إلى مُشرّعي وسدنة اليمين المحافظ، الباحثين عن تسميم الحياة والسلم الاجتماعيين في الولايات المتحدة، فهؤلاء يقفون عند حد التراجع القسري عن الإصلاح، ولا مانع لديهم بعد ذلك من إشهار مفردات أُخرى تتجاوز الخدمات إلى مستويات جديدة غير مألوفة.
الآن تواجه الولايات المتحدة تحدّياً غير مسبوق، فتعليق رواتب ملايين الأمريكيين، وإجبارهم على إجازات «دون راتب» وتجفيف منابع الدعم الاجتماعي لملايين الفقراء، من شأنه أن يعيد الولايات المتحدة إلى مربع تجاوزته منذ أمد بعيد.
ذلك التحدّي لا يضرُّ الداخل الأمريكي فحسب، بل الاقتصاد الدولي برمّته، فالولايات المتحدة هي المساهم رقم واحد في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهي صانعة العملة التجارية الدولية الأولى، والضامنة المعنوية لها، وهي صاحبة المؤسسة العسكرية الاستراتيجية الأكبر في العالم، وهي منصّة البيئة الثقافية الفنية المنتشرة على وجه الكرة الأرضية، وهي مصدر للخير العميم حيناً، وللشر المستطير أحايين أُخرى.
لهذه الأسباب مجتمعة يتابع العالم ما يجري من سياسات كسر العظم في الداخل الأمريكي، ويتمنّى ذوو العقول الكبيرة أن تنتصر إرادة الخير على إرادة الشر، وأن تنعتق الولايات المتحدة من جنون اليمين المتوحش، واستتباعاته الأيديولوجية الخطيرة.
Omaraziz105@gmail.com