الطائفية هي مرض فتّاك وقاتل من سابق الزمن، سمومه قاتلة، مرض الأوطان إن صحّ التعبير؛ يعمل هذا المرض والسم الناقع على زرع الشقاق والتنافر والكُره والحقد وسفك الدم والتصفية العرقية والمذهبية.
هذه اللفظة ليست وليدة اللحظة بل هي ماضٍ نعيشه حاضراً ومستقبلاً، فقد شهد التاريخ العربي الإسلامي الكثير من التطاحن بين الطوائف الإسلامية، واستعرت حروب بينها أكثر مما استعرت بين المسلمين وأعدائهم، ممن لم يدخلوا في دينهم طوعاً، أو كرهاً، وقد أريقت في الحروب التي دارت بين المسلمين أنفسهم دماء كثيرة، ذهب ضحيتها مبكّراً ثلاثة من بين أهم قادتهم الذين تولوا قيادة دولتهم الأولى، وهم الخلفاء الراشدون الثلاثة: عمر وعثمان وعلي.
إن طائفية اليوم هي موروث ثقافي ضار جاءنا من العصور الإسلامية التي خلت، والتي شهدت تطاحناً دامياً بين المسلمين على السلطة، استغل فيه الدين استغلالاً كبيراً، تماماً مثلما يجري اليوم على الساحة العربية والإسلامية، هذه الساحة التي تشهد اليوم فراغاً ثقافياً كان إلى الأمس القريب يسدّه فيها دعاة القومية بغوغائيتهم، وإلى حد ما دعاة الفكر الماركسي بأحلامهم.
والواضح هنا أن التركيبة الاجتماعية للشعوب التي انضوت تحت راية الإسلام كانت هي الأساس في الوجود السياسي للطوائف الإسلامية، بعيداً عن عقل هذا الطائفي أو ذاك الذي راح يصرّ على أن طائفته هي الأقرب إلى الدين من بقية الطوائف الأخرى، وأنها هي الطائفة المنزّهة عن الباطل دون سواها، وهو لهذا يكون مستعداً لحرق كل إنسان يرى ما لا يراه هو، ومستعد لتسخير أتباعه، والدين نفسه لخدمة أهدافه ومراميه الطائفية، المرض لا يتوقف عن نخر بلد مليء بالطوائف الإسلامية وغير الإسلامية والتي تتميز بميلها للدفاع عنها أياً كان موقفها أو عملها صائباً أو خائباً؛ فهي تعتقد أنها تنتمي إلى طائفة الحق التي رضي عنها الله وأرضاها وتسعى لإيصالها إلى أكثر الأماكن الحساسة في الدولة كي يكون لها الصدى والتأثير المباشر في القرار السياسي، وما زاد الطينة بلة أن أغلب الأحزاب السياسية تشكّلت على إثر خلفية دينية، ثم لبست رداء السياسة، ورغم التصريحات من أعضاء هذه الأحزاب بعدم وجود النفس الديني الطائفي في الحزب؛ إلا أن الواقع كان له كلام آخر.
و لكن يبدو أن الطائفية في اليمن أصبحت تتوافق مع مشاريع الأحزاب السياسية التي من الخطأ تسميتها سياسية؛ لأنها لا تعرف عن السياسة شيئاً بل حتى أبسط تعريف لعلم السياسة لا تعرفه أكثر الأحزاب الموجودة حالياً، ولكن اعتاد العامة على تسميتها بالسياسية، ومهما يكن من الأمر؛ إلا أنها باتت تعتقد أن ورقة الطائفية هي الرابحة في هذه الأيام.
لقد تحوّلت الطوائف الإسلامية في الحقبة الزمنية التي نعيشها اليوم إلى أحزاب سياسية إسلامية تحكم باسم الله، وصار كل قائد من قادتها هو الملك الفرنسي لويس السادس عشر الذي كان يرى في نفسه أنه ظل الله على هذه الأرض، وصار الواحد من هؤلاء القادة يوزّع كذلك صكوك الغفران على أتباعه للدخول إلى الجنة، مثلما كان يفعل ذلك أتباع الكنيسة في أوروبا أيام العصور الوسطى.
إننا في الوقت الراهن بحاجة إلى أن نبحث عن رجل منقذ مثل مارتن لوثر، يطيح بملوك الطوائف هؤلاء، ويمزّق صكوك غفرانهم، وبذا سيكون السؤال التالي حين نوجهه إلى أنفسنا وجيهاً جداً وهو: كم نحن متخلّفون أذاً عن ركب الحضارة المتقدّم الذي سارت فيه أمم، وشعوب كثيرة..؟!.
نداء..
أوقفوا الحرب، أوقفوا هذا الدمار
الأرض تبكي من كثر الغبار
والأرض تبكي من كثر الصراخ
أوقفوا الحرب، أوقفوا الدماء..
أنشروا السلام..