هزنا شوق المغترب إلى بلده فقررنا أنا وصديق لي أن نقضي عطلة العيد في اليمن الحبيب ونزور بعض الأقارب.
كانت محطتنا الأولى مدينة عدن الباسلة، ما إن وصلناها حتى رأينا جمالها الحقيقي كانت مدينة جميلة بأهلها الطيبين جميلة بجبالها وصهاريجها البديعة وبسواحلها ورمالها الساحرة وببحرها الجميل الهادئ الذي قلما تجد له مثيلا حيث أينما تجولت في المدينة يمكنك أن ترى زرقته الصافية. إنها حقا مدينة جميلة بكل ما فيها نادرة بين المدن جمعت بين الجبل والبحر والرمل.
سارت رحلتنها فيها بكل سلاسة فلم يكدر صفو رحلتنا وتجوالنا فيها أي شيء لا ترى فيها سوى الجمال والطيبة، فإذا سالت احدهم عن مكان لا يتردد في أن يدلك عليه بكل لطف ولباقة حتى انه يصعد معك في السيارة إذا اضطر إلى ذلك ليدلك على المكان وان كانت وجهته غير وجهتك.
قضينا معظم الإجازة في عاصمة الاقتصاد والجمال لليمن بعدها غادرناها وقد كونا صداقات مع بعض أهلها وكانت وجهتنا التالية العاصمة السياسية لليمن الموحد صنعاء. وصلنا صنعاء بمناخها الجميل وكانت زخات المطر الخفيفة قد زادتها جمالا ورونقا ، ولكنها كانت شبه خالية من أهلها فقد كانت أيام العيد.
تجولنا فيها ورأينا فيها ملامح من التطور ثم قررنا أن نشتري منها بعض الهدايا لمن نعز ونغلي عندما نعود إليهم، وليس هناك هدية أفضل من زبيب ولوز صنعاء فدخلنا باب اليمن ووجدنا بعض الصحفيات المميزات التي لا تكاد تخلوا المواقع الالكترونية من مقالاتهن يلتقطن بعض الصور في سوق الزبيب فتساءلت لقد رأيت مثل هذه الصور لباب اليمن ولصنعاء القديمة كثيرا فلماذا لا تلتقط مثل هذه الصور في محافظات أخرى أو أن تلتقط لرجال المرور والنقاط الذين يأخذون الرشا بغير وجه حق كما فعل ذلك بعض الصحفيين والمصورين في المغرب الشقيق ويقومون بنشرها في الانترنت علهم يخجلون من أنفسهم.
بعد أن أوشكت عطلتنا على الخلاص قررنا أن نتجه إلى عروس البحر الأحمر الحديدة، وعندما كنا نبحث عن الطريق الذي يخرجنا من صنعاء إليها حدث أن عكسنا شارعا كان ذو اتجاه واحد ونحن مشينا في الاتجاه المعاكس دون أن نشعر فقد كان الشارع فارغا ونحن لا نعرف شيئا في هذه المدينة فأوقفنا رجلي مرور وطلبا أوراق السيارة والرخصة وبعدها سألانا لماذا عكستم الشارع فقلنا نحن غرباء ولا نعرف شيء والشارع كان فارغا ولا نعرف انه بالاتجاه المعاكس فأجابا هل انتم صحيح لا تعرفون فقلنا نعم فقالا انتم ضيوف عندنا وأي خدمات لا تترددوا فارتحت كثيرا فقد حدث لنا نفس الشيء في الكويت حيث عكسنا شارعا ونحن نبحث عن الطريق إلى حولا فتعاملوا معنا بنفس التعامل ثم دلانا على الطريق إلى الحديدة.
خرجنا من صنعاء باتجاه الحديدة فوجدنا طريق غير صالح لسير السيارات فقد كان متهالك جدا مشينا فيه بصعوبة حتى وصلنا إلى نقطة تفتيش قبل مدينة باجل فتشوا السيارة وطلبوا أوراقها.
بعد أن تأكدوا أن كل شيء على ما يرام قالوا أعطونا العيدية فحسبت أنهم يمزحون إلا أنها كانت الحقيقة ولست اعرف هل هذا نوع من أنواع التسول أعطيناهم العيدية كما يسمونها وانطلقنا.
وصلنا العروس الحديدة وتجولنا فيها ورأينا الطيبة في أهلها ، ثم بعد أن قررنا العودة والخروج من اليمن أخذنا نبحث عن الطريق المؤدي إلى الحدود السعودية فحدث لنا مثل ما حدث في صنعاء فقد عكسنا شارعا صغيرا ولا اعتقد انه يسمى شارعا فأوقفنا رجل مرور وطلب أوراق السيارة والرخصة فكان له ما أراد، ثم رايته يفتح باب السيارة فسألته ماذا تريد فقال اصعد معكم وآخذكم إلى إدارة المرور، فقلت له ما يستأهل الأمر وعلى حد علمي أن القانون اليمني يمنع رجل المرور أن يصعد في سيارة المواطن لأي سبب كان فإذا عمل مخالفة يقطع له قسيمة مخالفة أو أن يتبعه إلى إدارة المرور بأي وسيلة كانت بدراجة نارية بأي شيء المهم انه لا يصعد معه فأجاب القانون هذا طبقوه عندكم من حيث أتيتم وليس هنا في اليمن.. فقلت له انه القانون اليمني الذي كان لزاما عليك أن تحميه.
المهم انه صعد معنا وتبادلنا الحديث ونحن في السيارة فقال هل انتم صحيح لا تعرفون أي شيء هنا فقلنا نعم فقال وأين تذهبون فاجبنا الطريق إلى الحدود السعودية فقال أنا أدلكم فتوقعت انه سيعاملنا كما عاملونا في صنعاء ، ثم سألناه من أين أنت فأجاب أنا من مأرب فقلنا نعم التاريخ ونعم الأصل وكان بودنا لو أن لدينا وقت أن نذهب إليها ونزور سدها وعرشها العظيم الذي ملأ الدنيا صيتا، ثم سألناه عن قبيلته فاخبرنا ‘
وبينما نحن في الطريق وجدنا سيارة متوقفة وقد قطعت شارعا كاملا وبجانبها صاحبها فقال له اطلع من الطريق فقد سببت زحمة وقطعت الطريق فجابه انه بجانب بيته وانه لن يحركها فتجاذبا الكلام فنزل رجل المرور من سيارتنا فقال صديقي دعهم فإنها فرصتنا أن نفلت منه ونكمل طريقنا فقلت له لا يمكن هذا الرجل يريد فقط أن يدلنا على الطريق ولن يعيق رحلتنا ولن ندعه هنا حتى نوصله حيث أراد فهو رجل نشمي على ما يبدو وسيعاملنا كما حدث في صنعاء أو الكويت فنزلنا وفضينا العراك و أصعدناه معنا في السيارة وبقيت السيارة متوقفة.. وما إن وصلنا إلى الطريق المراد ، حتى قال اروني قبيلتكم فقلنا ماذا تقصد فقال أعطوني حق المخالفة فقلنا لقد حصل معنا نفس الشيء في صنعاء وأخبرناه القصة فقال مالي دخل بصنعاء أنا ابغي حقي فقلنا ما عاد عندنا عملة يمنية إلا هذه ‘ فقد وجدنا أنها بقيت معنا ألف وأربعمائة ريال يمني فقال والله ما آخذها تبغوني بيع قبيلتي بهذه فقلنا يا أخي أنت من قبيلة فلان وليس جديرا بك حتى أن تطلب منا شيء فاخذ يسب قبيلته فقلنا خلاص خلاص لا تقحم قبيلتك في الموضوع ولكن لا يوجد معنا غير هذه العملة اليمنية فقال أعطوني أي عملة سعودية ‘ إماراتية أي شيء فقلنا أما هذه فلا يمكن فقال خلاص على الإدارة فقلنا على الإدارة سنرى ما هي هذه إدارتك وعسى أن نجد فيها أناس أكثر تفهما.
رجعنا من حيث أتينا فقد كانت بعيدة عنا وما إن وصلنا الإدارة حتى وجدنا فيها ضابطا ورجل مرور أخر فسألنا الضابط ما المشكلة فأخذنا نخبره وهو يخبره كل له وجهة نظر ثم أخبرته بأن الشارع كان فارغا ولا نعرف شيئا.. وقد حدث نفس الشيء في صنعاء وهي العاصمة وتركونا وشاننا بل وعرضوا علينا الخدمة عله أن يتفهم الأمر فقال من الأخير فقلت له هذا الأخير فقال انتم لماذا لم تعطوه من الأول ما طلب منكم أما أنا فليس بوسعي إلا أن أكون دلالا ووسيطا بينكم وبينه طبعا هذا الكلام للضابط.
لم استطع أن استوعب ما يحدث وما سمعت وكأننا في غابة وما إن عاد إلي وعيي حتى أدركت انه يجب علينا السمع والطاعة وليس أمامنا سوى ذلك وبعدها يكون الرحيل دون عودة وما إن خرجنا حتى تبعنا رجل المرور الثالث فقال لنا ارجوا أن لا تأخذوا نظرة سيئة فليس الكل هكذا فقلت له من أين أنت فقال من خولان فقلت ليت كل رجال المرور مثلك يدركون ما تدرك ويعلمون ان رجلا واحد يمكن أن يسيء إلى أهله ومجتمعه ووطنه ويؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا دون أن يدرك ذلك وأنت أيها القارئ ألا تشاطرني الرأي وأنا تعمدت أن اكتب هذا المقال واسرد القصة لا لأجل شيء وإنما من اجل وطننا الحبيب اليمن ولعله يجد آذان صاغية.
MOHAMMEDAGL5@YAHOO.COM