كان حفل اختتام مؤتمر الحوار الوطني في القصر الجمهوري السبت الماضي 25 يناير 2014م مناسبة مبهجة سعى كثيرون إلى عدم الوصول إليها وبالتالي إفشال الحوار برمته بوسائل عديدة ومختلفة ومتعدّدة الأنواع؛ تدفعهم نوازع شريرة جُبلوا عليها ومارسوها ردحاً من الزمن، لكن الله تعالى وإرادة أعضاء مؤتمر الحوار الصلبة ووقوف الأشقاء والأصدقاء مع اليمن والتسوية ردَّ كيد الأعداء في نحورهم.
لقد تجوّلنا وطُفنا بين فقرات الكلمات والخطابات التي وجّهها كل من الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية، رئيس مؤتمر الحوار والدكتور أحمد عوض بن مبارك، أمين عام المؤتمر وبان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة وجمال بن عمر، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن والشيخ صباح خالد الحمد الصباح، رئيس المجلس الوزاري الخليجي، النائب الأول لرئيس الوزراء، وزير الخارجية الكويتي وعبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، وكذلك تصريحات كاثرين أشتون، الممثّلة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية وتهنئة الحكومة الأمريكية، ولكن دون أن نتدخّل أو نغيّر لنجعل بعض ما قالوه يحاور بعضه في فقرات بصيغة «نعم.. ولكن.. !!» فإلى حوار الكلمات والعبارات بصيغة «نعم.. ولكن!!».
نعم.. كان المتحدّثون في حفل اختتام مؤتمر الحوار الوطني متفائلين ومشيدين بالنجاح الذي تحقّق؛ ولكن كانوا أيضاً محذّرين ومنبهين وموجّهين مسارات التسوية القادمة بمزيد من العبارات والفقرات المؤكّدة استمرار مواصلة النجاح حتى النهاية في ظل الرعاية والرقابة والإشراف الإقليمي والدولي.
نعم.. اليمن بإنجاحها الحوار تنتصر لمشروع بناء الدولة، وتقطع طرق مشاريع العنف، وتجربة الحوار الناجحة في اليمن تستحق الاستلهام، ونجاح مؤتمر الحوار تجربة رائدة ومُلهمة للشعوب الأخرى، واليمن أظهر للعالم أن الحوار والتوافق هما الطريق الأفضل للتغيير؛ ولكن التقصير بتنفيذ وثيقة الحوار خيانة لدماء الشهداء التي سالت من أجل يمن أفضل.
نعم.. مخرجات الحوار الوطني انتصار للشعب ولثورة الشباب المكملة لثورتي سبتمبر وأكتوبر، ويوم 25 يناير 2014م سيكون علامة فارقة في حياة الشعب اليمني العظيم، ولكن جوهر التغيير أننا تجاوزنا مجرد الكلام عن قضايانا إلى إيجاد الحلول.
نعم.. نجاح الحوار دليل على عزيمة الشعب اليمني لبناء مستقبل أفضل لبلاده، واليمنيون توافقوا على عدم العودة إلى الماضي، والجنوبيون محصّنون ضد دعوات العنف التي تهدف إلى إدخالهم نفقاً مظلماً؛ ولكن على كافة القوى تنفيذ مخرجات الحوار وتفويت الفرصة على المتربصين.
نعم.. الحوار إحياء للحكمة اليمنية التي غابت أحياناًَ؛ ولكنها لم تمت في داخلنا، ورغم الصعوبات إلا أننا راهنا على الحكمة اليمانية للخروج من الأزمة، وانهزمت قوى الشر بانتصار الحكمة اليمنية، لكن نجاحنا الحقيقي هو أن نتخلّى عن معاول الهدم وإطلاق ورش البناء والتشييد.
نعم.. إصرار والتزام المشاركين في الحوار كان أقوى من أية محاولة لحرف مسار الحوار، واليمن لن يمضي إلى الأمام والمستقبل الأفضل إلا بقاعدة "لا غالب ولا مغلوب" ولكن ما بعد 2011 لا يشبه ما قبله، وما بعد مؤتمر الحوار لن يكون مثل ما قبله.
نعم.. اليمنيون اليوم يبنون يمناً جديداً ومصيراً مشتركاً، ونجاح الحوار صنعناه بإرادة يمنية خالصة وباختيارات وطنية تُعلي الوطن، لكن أمن الوطن مشروط بإلغاء احتكار العائلة أو المذهب أو المنطقة للسلطة.
نعم.. اليمن تضع أقدامها على طريق الشرعية الدستورية الجديدة لليمن الاتحادي، ومبروك لليمنيين؛ لقد قدّمتم نموذجاً للمنطقة، والإقليم والأمم المتحدة والمجتمع الدولي سيواصلون الوقوف إلى جانبكم ودعمكم؛ ولكن على كل يمني واجب تنفيذ وثيقة مؤتمر الحوار.
نعم.. اختتام مؤتمر الحوار إنجاز تاريخي وفريد من نوعه، واليمن أظهر للعالم أن الحوار والتوافق هما أفضل طريق للتغيير الإيجابي، والشعب اليمني أظهر صوابية قراره باختيار الحوار بدلاً عن النزاع، ولكن نتطلّع إلى تنفيذ مخرجات الحوار التي تم الاتفاق عليها.
نعم.. تجربة الحوار مدرسة بالأداء والإنجاز، وتعبير لما يمكن لليمنيين القيام به، والحوار عالج القضايا الصعبة في اليمن وتحديداً المتعلّقة بالجنوب وصعدة، ويمكننا القول إننا اقتربنا من شاطئ الأمان؛ ولكن لايزال أمامنا المشوار طويلاً.
نعم.. وأمن واستقرار اليمن جزء لا يتجزّأ من أمن واستقرار جزيرة العرب، والخليج ملتزم بتقديم الدعم السياسي والتنموي لإنجاح التسوية، والأمم المتحدة ملتزمة بدعم العملية الانتقالية في اليمن، والاتحاد الأوروبي يؤكد وقوفه مع اليمن وشعبه لبلوغ مستقبل آمن؛ ولكن اليمن سيكون عمقاً وسنداً لكل أشقائه وعامل استقرار للعالم كله.
نعم.. سأنقل للعالم المشهد الحضاري اليمني الذي أصبح مُلهماً لشعوب العالم، ولقد فضّل أبناء اليمن مصلحة بلادهم على ما عداها من المصالح، والنجاح الذي حقّقه اليمنيون مثّل الحكمة اليمنية بأبهى صورها؛ ولكن نجاح حوارنا يدفعنا إلى المضي لعقد جديد لبناء الدولة الحديثة.