من يقول رأياً هل يحصد رصاصة، ومن يحمل فكراً هل يجني عبوّة ناسفة، ومن يتبنّى قضية هل يُذبح في غرفة نومه، ومن يقف إلى جانب حق من الحقوق المكفولة شرعاً وقانوناً؛ هل يُختطف أو تُسلب منه فلذة كبده بخطف ابنته أو ابنه، هل انحدر مجتمعنا ليصل إلى واقع كهذا..؟!.
وصارت مثل هذه الأسئلة على شفاه من يتحسّرون على اليمن وأهله، كلما فجعوا بجريمة شنعاء، متناهية البشاعة، كالتي لم يكن آخرها اغتيال العالم الكبير والقانوني المتميّز البروفيسور أحمد عبدالرحمن شرف الدين، ولم تكن أولها اغتيال المحامي حسن الدولة في غرفة نومه أو اغتيال العالم المستنير الدكتور عبدالرحمن جدبان، ما دام هناك من رفع مصلحته الشخصية الأنانية فوق رأسه وداس على مصلحة شعب بأكمله، ومن جعل جهله ورواسبه الموغلة في التخلُّف صنماً يعبده دون الله، وأن ذكر الله وزايد باسم الدين، ومن باع نفسه قبل وطنه لأسياد له في الخارج، بأية ملِّة من الملل الشيطانية.
كل وطني شريف غيور، يتحسّر على وطن ينتمي إليه جرّاء أفعال من يسعى إلى إغراقه في مسلسل الدم والفوضى الضاربة أطنابها، وألسنة الأحقاد والثارات التي لا تشبع، وما أشبهه ببهيمة تسعى إلى حتفها بِظْلفِها وكأن ملفات «وقُيّدت الجريمة ضد مجهول» ستبتلع تلك الجرائم وتطويها في عالم النسيان.
تعالوا إلى وقفة عابرة أمام آخر ضحايا العنف والإجرام، فمن هو الشهيد أحمد شرف الدين، وما المراد من قتله..؟!، ولأن الحديث عنه بحاجة إلى مجلّد يليق به، بعالم صادرت حقه في الحياة جريمة استنكرها العالم ممثلاً بالأمين العام للأمم المتحدة وسفراء الدول العظمى، كما أدانها كل يمني حتى من يختلفون معه في الرأي، لأن الأمر كذلك نختصر مستعينين بشيء مما قيل عنه:
يقول فخامة رئيس الجمهورية المشير عبد ربه منصور هادي: «اغتيال الدكتور أحمد شرف الدين يمثّل اعتداءً صارخاً على الحوار الوطني، ومحاولة لإفشاله، كما أنها جريمة تمس أمن واستقرار الوطن».
الدكتور ياسين سعيد نعمان يقول عنه: «كان مثالاً للمثقف والمفكّر والسياسي الذي خسر اليمن برحيله أحد دُعاة الحوار والسلام، وإن الحوار سيستمر بعيداً عن حسابات القوى المتربصة بالوطن واستقراره».
وهذا زميله في مؤتمر الحوار هو المهندس بدر باسلمة يقول عن الشهيد: «إن اغتيال ورحيل رجل قانوني وشخصية حوارية وسطية وعقلانية بحجم الدكتور أحمد شرف الدين يعتبر خسارة فادحة واغتيالاً لكل اليمنيين وأحلامهم في بناء الدولة المدنية الحديثة التي كان ينشدها ويسعى إلى الوصول بمؤتمر الحوار الوطني إليها، وإن الجريمة جاءت بدوافع سياسية تتعلّق بتغييب دور الفقيد في صياغة الدولة المدنية الحديثة من خلال حتمية وجوده على رأس لجنة صياغة الدستور التي أكد من خلالها أنه رجل الدستور والقانون الأول في اليمن، وأن الجريمة لا تستهدف شرف الدين وأنصار الله والحوار الوطني فحسب، وإنما تستهدف كل أبناء اليمن بمختلف توجهاتهم وأحلامهم بانتقال اليمن إلى دولة مدنية تسودها المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية والأمن والاستقرار».
نتوقف هنا مكتفين ببعض ما قِيل عن الشهيد، لنقول إن في ما ورد مؤشرات تدلُّ ليس على من نفّذ جريمة اغتيال شرف الدين، بل المستفيد منها والمخطّط لها..؟! وكذلك معرفة لماذا استهدف الشهيد غيلةً، كما استهدف رفيقه الدكتور عبدالكريم جدبان، فوراء الجريمة من يسعى إلى إفشال الحوار والمساس بأمن واستقرار اليمن - كما ورد في كلام فخامة الرئيس - ووراء الجريمة أيضاً حسابات المتربصين بالوطن واستقراره - كما في قول الدكتور ياسين سعيد نعمان - ووراء الجريمة أيضاً من تقلقه الدولة المدنية ويزعجه أن تتولّى كفاءات وشخصيات وطنية مستنيرة كأحمد شرف الدين صياغة دستور تلك الدولة، كما جاء في حديث المهندس بدر باسلمة.
تُرى ماذا يريدون لليمن - أكثر مما هو فيه - باستهداف الرموز الوطنية والتحاور بالرصاص، وإثارة الفتن - من المناطقية إلى المذهبية - وبإضعاف الدولة والعمل الدؤوب من أجل السير بالبلاد نحو العنف، والعنف المضاد.
أمِنْ هذه البوابة ندخل المدينة الفاضلة التي نحلم بها ونمني أطفالنا بمدنيتها وعدالتها الاجتماعية ومساواتها المسيّجة بالمحبّة والتسامح.
لنتقِ الله في وطن تسلمناه من آبائنا وأجدادنا بسجل خالٍ من الحروب المذهبية، والإكراه في اعتناق المذاهب والتصفية الجسدية للمخالف في الرأي.
إن لم نستمع إلى صوت العقل والمنطق، فلنستمع إلى ما تقوله جراحنا التي لاتزال مفتوحة بالرغم من جلوسنا على طاولات الحوار.
شيء من الشعر:
لم تكن لي إلّاها يُقرب زُلْفَي
فاعتقادي يرفض كل الديانات بالواسطة
اتهمني بالكفر إن شئت أو بالخيانة
واستبح مقتلي علناً
أو بكاتم صوت
لا لكل الديانات بالواسطة
لا لتشريعِ أكل اللحوم