بقلم/ المحرر السياسي
التاريخ يقف دائماً بالمرصاد لكل عميل وخائن يمارس الكذب على ذقون الناس، وفي سجلات الثورة اليمنية يعرف القاصي والداني أن الشعب اليمني عن بكرة أبيه - (شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً) - هب هبة واحدة لتسجيل أنصع صفحات التحرر من الجهل والفقر والمرض وإزالة التقسيم, الناتج عن النظام الإمامي في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب، اللذين كانا يجثمان على صدر هذا الوطن بكل جبروتهما، وفي دأب منقطع النظير ، عملا على زرع الفرقة بين أبناء الوطن اليمني الواحد، الذي لم يكن ولن يكون إلا واحداً مهما حاولت الأدوات (القديمة/ الجديدة) العبث به، تحت مبررات منسوجة من الوهم وأماني الأنفس المريضة للعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م وتجزئة الوطن بين حفنة من المرضى الحالمين بالمال والسلطة .
صحيح أن شعب اليمن متسامح، عفو، غفور، يصفح عن الخطائين ويتجاوز عن زلاتهم، الاَّ أنه بالمقابل ينتظر من هؤلاء أن يعلنوا التوبة، ويتجنبوا خطوات الشيطان، فإن ساروا في هذا الطريق فإنهم سيجدون صدراً واسعاً للغفران .
ويخطئ من يظن أن هذا الشعب المتسامح يمكن أن يذهب في تسامحه إلى حد تقليد النعام، فيتغاضى عما ارتكبه الخونة من جرائم ..إن تسامح شعبنا ينبع من إيمانه بمبدأ "المغفرة عن قوة.. والعفو عند المقدرة".. وكذا من إدراك واعٍ بأن إعادة إنتاج الخلافات تعرقل مسيرة التنمية.
وعليهم أن يدركوا أن هذا الشعب أيضاً لا يمكن أن يتهاون مع الحالمين بعودة عجلة التاريخ للوراء ، كما أنه لن ينسى تركة الطغاة، ولن يحني هامته للجلاوزة أو الجلادين.. الذين كانت سياسة سفك الدماء والاعتقالات والتشريد عملهم الوحيد الذي يجيدونه .. والمؤسف أن يتباكى الدكتور ياسين سعيد نعمان على تلك السنين الدموية والفترة المظلمة التي حكم فيها الخائنان علي سالم البيض وحيدر العطاس وقبلهما علي ناصر محمد .. لأن الدكتور ياسين أعلم من غيره بأن هؤلاء باعوا الوطن واشتروا ما يظنونه راحة ونعيماً .. والحق أنهم يتسكعون في فنادق فاخرة بأوروبا امتصوا ثمنها من دماء الوطن وعرق أبنائه.
لقد سعى قادة الاشتراكي - من أول يوم لارتباطهم بالوحدة - إلى تنفيذ أجندة خاصة ، ويعرف الشعب أن تلك الفترة التي شاركوا فيها بالحكم - وسميت بالانتقالية - كانت من أسوأ الفترات في التاريخ اليمني، وأشدها ضرراً.
المحافظات الجنوبية شهدت منذ تحقيق الوحدة حركة بناء لم تكن ستتحقق لولا إرادة الشعب والمخلصين الذين أفشلوا المخططات التآمرية التي اعتادها البيض والعطاس وقادة الانفصال.
وإذا كان علي ناصر قد تناسى أحداث يناير وما جرى فيها، فإننا نذكره إن صنعاء كانت الحضن الآمن له بعد فراره من عدن، وكذلك كانت صنعاء للبيض الملجأ الذي حماه من غضب الشعب.
والمتابع الملم بمجريات الأمور يدرك أن بعض قادة الاشتراكي معادون للشعب، وأنهم أدمنوا الحكم بالحديد والنار ولم يخرجوا من باب عدن الضيق ليدخلوا "باب الوطن اليمني الواحد الكبير" والواسع بدافع وطني وأخلاقي نزيه، ولم ينتقلوا إلى صنعاء انتقالاً طبيعياً بل كان مكلفاً جداً وفاتورته باهظة، فلا يزال اليمن يسددها اقساطاً ويرمم ما خلفه حكم الاشتراكي في الجنوب من أضرار امتدت إلى الشمال بآثار وانعكاسات مجازر 13 يناير التي خلفت أكثر من 45 ألف قتيل، وحوالي (100) ألف مشوه وأكثر من مليون مهجر و "300" ألف قضية تأميم قيمتها تزيد عن "100" مليار دولار " و (7) مليارات دولار ديون خارجية للاتحاد السوفيتي آنذاك وبعض دول المنظومة الاشتراكية، ولم تكن للتنمية، بل قيمة صفقات أسلحة ورثها الحزب الاشتراكي لحكومة دولة الوحدة.
وعلى هذه العناصر التي تعيش في مزبلة التاريخ أن تدرك أن شعبنا لن يتنازل عن قادته المخلصين، بعد أن رأى بصمات الإنجاز في شتى المجالات، ولا مقارنة بين ما كانت عليه هذه المحافظات قبل الوحدة وبعدها، وكما باءت أحلام البيض والعطاس ومن لف لفهم بالفشل في إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء سيكون المصير نفسه في انتظار كل دعاواهم.