استقامة بوصلة ميزان العدل أساس أمن واستقرار الحياة لأي مجتمع من المجتمعات، وهذا مبدأ استوجبته وأكدته كافة التشريعات الدينية وحتى الوضعية، وديننا الإسلامي الحنيف شدّد على أن إشاعة وإقامة بل وفرض العدالة وتطبيقها من الألويات التي لا غنى لمجتمعنا المسلم وحتى المجتمعات الأخرى عنها.
وإذا ما تمعّنا بتجرُّد لما ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم من آيات أكدت أو تؤكد أن استقامة ميزان العدالة بين الناس أساس الحياة المستقرّة والمستقيمة، فسنجد أن واقعنا اليوم المليء بالمظالم وفقدان البعض ممن يعنيهم الأمر يعكس الاختلالات التي أخذت تؤثّر بصورة أو بأخرى على بوصلة ميزان العدالة، وتلك الاختلالات بات من الضروري تداركها ومعالجة مسبّباتها حتى تستقيم شؤون حياة الأمة، ولعل الزاهدين بعلوم التشريعات الإسلامية والوضعية أقدر من غيرهم على فهم عيوب ما آل إليه واقع القضاء والبعض من القائمين عليه والمعنيين بمآله.
في بلادنا اليمن، بلد الإيمان والحكمة والحكماء؛ يجب أن نسلّم بأن تداعيات الأزمة التي أدخلت كل مجالات الحياة ومنها مجال العدل فيما يشبه حالة من الركود في الأداء وفي الفتور بالتقيّد والانضباط بالقوانين والتشريعات وبما تقتضيه أمانة المسؤولية، فإن الخوف من استشراء بعض المظالم وعدم تطبيق مبدأ الرقابة القضائية قد ألحق ضرراً بقاعدة ومبادئ القضاء الكامل عدلاً وإنصافاً.
وصار بعض الخصوم الذين يرون في القضاء غاياتهم لتحقيق مبدأ العدل والإنصاف وإزالة المظالم عنهم يتردّدون في اللجوء إليه جرّاء ما يحاول البعض من إلصاقه به من أدران منها البطء الشديد في البت في القضايا المنظورة، ولجوء بعض الخصوم المتمرّسين في محاولات تضليل مسار القضايا وعدم تقيّد البعض في الوفاء بعهودهم والالتزام بأماناتهم وأدائها بصورة كاملة، ناهيك عن بروز بعض ممن يدّعون فهمهم بأولويات المحاماة ومسار عملية التقاضي للتضليل على هذا الخصم أو ذاك بهدف الكسب أو المقابل غير المشروع وبحثاً عن تلبية رغبات النفس الأمّارة بالسوء.
أن تزور إحدى المحاكم وفي أية محافظة من المحافظات ستجد أن الأوضاع التي تسود البلاد جرّاء الأزمة السياسية والأمنية؛ فإنك تقف في حيرة من حالات التذمُّر لدى بعض الخصوم، وإذا ما سمعت منهم فإنهم يزرعون الخوف من المجهول الذي ينتظرك إذا ما قدّر الله لك أن يلتقفك خصمٌ ويجرجرك إلى دهاليز بعضها التي يغلب عليها هذه الأيام الظلام مع استمرار الاعتداءات المتكرّرة في ضرب أعمدة الكهرباء والانطفاءات المتعدّدة والمتنوّعة.
وستجد من خلال أطروحات بعضهم المصحوبة بالمرارة أن قضاياهم طالت؛ فمنها ما يتجاوز العام، والأربع والخمس بل العشر سنوات في ثنايا المحاكم من ابتدائية إلى متوسّطة إلى أعلى حتى المحكمة العليا، وهلمّ جرا؛ بمعنى أنك إذا ما فرض عليك القدر الامتحان والبلية هو أن تُقاد برضا أو دون رضا إلى مقام وساحات المحاكم..!!.
وهنا نجدها مناسبة لدعوة ومناشدة كل صاحب بصيرة مُعنى بشؤون العدل أن يستحضر في ذاكرته ونصب عينيه ومحور همّه العمل على إعادة الهيبة إلى العدالة باعتبارهم ذوي أمانة كبرى في إنصاف المظلوم من الظالم وفي وضع حدٍّ لمجرى البت في القضايا سواء المنظورة أم غير المنظورة؛ كون الإحجام أو التهرُّب من المسؤولية المُلقاة على عواتقهم إن لم يُسألوا ويُثابوا أو يعاقبوا في الدنيا؛ فإن عقوبة الآخرة وفي يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدّون لا شك ستكون أشد وأقسى.. والله سبحانه وتعالى قال في صاحب المقام العدل؛ أي الحاكم: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأوليك هم الظالمون} وفي آية أخرى: {هم الكافرون} وأخرى: {هم الفاسقون} صدق الله العظيم، ومن أصدق من الله قيلاً.
ونحن بهذا التناول لا نهدف ولا نبتغي سوى أن يكون قضاؤنا أكثر نزاهة من غيره، وقضاتنا مثار السمعة الحسنة، ومن الروّاد للانتصار لقضايا العدالة؛ باعتبار أن إشاعة مبدأ العدالة والانتصار لها إحقاقٌ للحق وسلامة للمجتمع وأفراده، والله، من وراء القصد.