عقب نجاح الانتخابات الرئاسية عام 2006 بتلك الصورة ظننا وبعضُ الظن إثم بل واستبشرنا خيراً بأن اليمنيين قد اعتمدوا منهجاً حقيقياً للتداول السلمي للسلطة، وأرسوا قاعدة متينة قائمة على الشورى، ووضعوا حداً للعمليات الانقلابية للوصول إلى كرسي الحكم، كون تلك الانتخابات هي الأولى التي تشهدُ تنافساً جدياً وحقيقياً بين مُرشَحين على منصبِ رئيس الجمهورية، وظننا أنه لا خوفَ على مُستقبل اليمن السياسي بعد اليوم ما دام الشعبُ قد جعلَ من الصندوق حكماً بين الأطراف السياسية المتمثلة في الأحزاب والتكتلات الوطنية.
لكن وكما يُقال (يا فرحة ما تمّتْ) فها نحن اليوم وبكلِّ أسفٍ وغرابة نقضي على ذلك الإنجاز التاريخي ونُشَرعِنُ لديكتاتورية أمراء الحروب، ونزرع الأشواكَ على طريق التقدم والإصلاح الحقيقي بالصورة المرعبة التي نقدمها للعالم من خلال هذه الثقافة الثأرية والتدميرية بشتى السبل والأدوات التي لم تكنْ تخطرُ على بال أحد، وإلاّ ما سِرُّ هذا الفجور في الخصومة وتجيير الدين بما يتماشى مع الأهواء وتصوير الطرف الآخر على أنه عدوٌ لا يمكن القبولُ به أو التعامل معه..؟
والأغرب من ذلك أن القوى العظمى التي ما فتئت تدعو مجتمعاتنا لممارسة الديمقراطية، تُحرّضُ الآن على وأد المشروع الديمقراطي وتشجع على الفوضى بما يتماشى مع مصالحها الاستراتيجية ومشاريعها التي تبقيها مهيمنة وماسكة بزمام الأمور كي نظل مشغولين بأنفسنا ولا نتفرغ لمشاريعنا الوطنية والقومية وقضايانا المصيرية، فتراها تارة تدعم اليسار وتارة أخرى تدعمُ اليمين وتقوّي طرفاً على طرف ليظل الجميع محصورين داخل متاهة الصراع بعد أن خلطت الأوراق بالطريقة التي تُريدُها واحتفظت بمفتاح اللعبة بيدها.
وإذا ما سلّمنا بأن تلك القوى تنفذ أجندتها الخاصة باستراتيجيتها وتخدم مصالحها، فلماذا كل هذا الاستسلام والخنوع المريع من قبل من أخرسونا ضجيجاً بحديثهم عن المخططات والمؤامرات التي تحاك ضد الأمة بينما هم اليوم أصبحوا أداةً طيّعة بيد تلك القوى توجهُها حيثما تريد، بل وتستخدمها أسوأ استخدام في تنفيذ تلك الأجندة؟
هل هو بُهرجُ السلطة الزائف وحبُّ الجاه والمال الزائل؟ أم الجموح نحو العدوانية والانتقام ممن اختلفنا معه في الرأي؟ أم أننا لا نمتلك رؤية حقيقية وسلمية لبناء أوطاننا ومستقبل أجيالنا؟ فننظر إلى الزاوية التي تتوافق مع مصالحنا وأهوائنا الضيقة بجميع مسمياتها؟ أم أننا نقول ما لا نفعل؟ وإلاّ ماذا يعني أن يردد الجميع الاختلاف الذي لا يفسد للود قضية؟ ونحن في الحقيقة ننسف الود من أساسه ونستبدله بالأحقاد والضغائن والمكائد التي لن تجلب لنا سوى الويل والدمار؟
خلاصة القول: لا نريد أن نكون أعداء للغرب أو الشرق أو مطية لأحدهما أو كليهما، ولا أن ننجرَّ وراء قوةٍ على حساب أخرى، لكن ما نطمح إليه هو أن نحمي هويتنا ونصون استقلالنا وأن نبني علاقاتنا على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة ونتفرغ لبناء أوطاننا ونحافظ على نسيجنا الاجتماعي.
وهنا نسأل: متى يدرك السياسيون أن الحوار والذهاب نحو كلمةٍ سواء هو المخرج الوحيد من الأزمة الراهنة؟ لكننا نخشى أن تتحقق مقولة الكاتبة الألمانية ساندرا إيفانس من أن اليمنيين يحفرون قبورهم بأيديهم، مع توقعاتنا بأن من يدعمون سياسة الفوضى يحفرون قبورهم أيضاً وتتحقق فيهم مقولة (جنتْ على نفسها براقش)، والله المستعان..