تتسارع الأحداث تترى، في غير جبهة وصعيد، في هذا البلد الذي كان يوصف بالسعيد في زمن مضى وانقضى.
وقد بات لزاماً على جميع أطراف المعادلة الوطنية الكبرى - بتنوعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية - وليس السياسية فقط، أن تتنادى إلى كلمةٍ سواء، بعيداً عن كل مشاعر التنابز أو الابتزاز أو الانتقام أو المماحكة.
وإذا كان الحوار يبدو وسيلة ناجعة للخروج من عنق المقصلة -وليس الزجاجة- فإن الرغبة الجادة في خوض هذا الحوار هي الأساس، وليست تلبية الدعوة إلى الحوار بحد ذاتها ..وإلاَّ لفوجئنا بأن نقطة سوداء قد قفزت إلى أعلى حرف الحاء في مفردة الحوار.
كما صار لزاماً علينا الشروع بالخطوة الأولى في الطريق الصحيح - صوب إيجاد حل للمشكل اليمني اليوم - وهي الاعتراف بالآخر اعترافا صرفاً، بغض النظر عن حدود أو مستويات الاختلاف - أو حتى الخلاف- مع ذلك الآخر؛ لأن هذا الاعتراف يعكس الشجاعة الأدبية المطلوب توافرها للاعتراف بأن المشكل اليمني - القائم اليوم- هو حقيقة أرضية وليس تحويماً فضائياً.
إن التمرد الحوثي، وتنظيم القاعدة، والحراك الجنوبي، والقرصنة الصومالية- التي تجاوزت حدود بحر العرب، وصولاً إلى جبال صعدة - باتت المربع الأكثر جهنمية من مثلث برمودا. ولم تعد الخطابات والكتابات والبيانات قادرة على احتواء الشظايا الصادرة عن مختلف الجوانب هذا المربع، ناهيك عن الحمم المتدفقة من قلبه الملتهب كماضي بركان فيزوف.
ومهما بلغت المقترحات والتوصيات والإجراءات بصدد المعالجات التي يراها البعض كفيلة تجاه هذا المشكل؛ فإنها ستظل قاصرة جداً، بل وهزيلة للغاية، طالما ظلت صادرة عن قطب واحد في المعادلة الوطنية الكبرى، مهما كبر حجم هذا القطب أو اتسع نطاق نفوذه، فالعلاج الحقيقي لهذا الورم الرباعي الخبيث في حاجة ماسة إلى "كونسلتو" كامل العدد والعُدَّة، ومستوفٍ شروط المهارة والجدارة.
فالمشكل اليمني- القائم اليوم - واضح الملامح، وتشخيصه أولاً، ثم تحديد سُبُل علاجه، لن يتأتى لنا في لندن أو يأتينا من واشنطن؛ فلعمري أن غرفة العمليات المؤهلة للقيام بالتشخيص السليم والعلاج القويم قائمة في قلب صنعاء، ولا يحدُّها من جهاتها الأربع سوى كتلة من الضمائر الغارقة في سبات شتوي عميق، ولا تحتاج إلاَّ إلى صرخة من الذات لتصحو، بعد أن صرخ الواقع حتى تمزقت أوتاره الصوتية!
وفوق هذا وذاك، ينبغي أن ندرك أن الحلول الكفيلة بمعالجة رباعية المشكل اليمني لا يعني بالضرورة - حتى في حال نجاحها التام - استئصال معضلاتنا كلها، لاسيما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، حيث ستُلقي تبعات هذا المشكل بظلالها القاتمة على حياتنا اليومية -والمعيشية منها بالذات - لزمن غير محدد الأمد .. فكما قال فيكتور هوجو: "إن للأحداث الكبرى ذيولاً لا تُرى"!.
Wareth26@hotmail.com