كحالة فريدة من نوعها، كانت بعض قبائل الهنود الحمر، تتفق فيما بينها على حرب بينها في وقت معلوم، يكون هدفها – فقط -أن تأسر كل قبيلة ما يمكن أسره من مقاتلي القبيلة الأخرى، لتقديمهم قرباناً لآلهة القبيلة، وعندما يتم الهدف تتوقف المعركة وتعود العلاقة إلى سابق عهدها.!!
هذه - حسب علمي- هي الحالة الوحيدة لحرب ذات دوافع وأهداف دينية خالصة، فالحرب، أي حرب، قائمة أساساً على تضارب المصالح السياسية والاقتصادية، بين الجماعات، وهذه المصالح هي دوافع وأهداف الحروب، أياً كان نوعها.
المصالح بحد ذاتها ليست سيئة، كما قد يُفهم، فمن أجلها جاءت الأديان وشُنّت الحروب، أما علاقتها بالحرب فشرطية حاسمة، بغض النظر عن شرعيتها أو لا شرعيتها.. في فجر الإسلام، تضمنت السيرة النبوية، عشرات الغزوات، وكان لكلٍ منها سبب سياسي واقتصادي متعلق بمصالح المسلمين، بشكل واضح، كأموال المسلمين في غزوة بدر، والدفاع عن النفس في غزوة أحد.. وهكذا لم يأذن الوحي بحرب من أجل العقيدة في ذاتها، ولم يحدث أن شن الرسول«صلى الله عليه وسلم» حرباً من هذا النوع. في سياقٍ آخر، بات من المعروف جيداً أن الهدف الحقيقي لـ«الحروب الصليبية» كان الهيمنة السياسية والتجارية على البحر المتوسط، وفتح ممر تجارى مباشر إلى الهند، لكن الوضع الثقافي لأوروبا في القرون الوسطى، جعل ملوك أوروبا حينها يشنون تلك الحروب على الشام باسم الكنيسة وتحت قناع المسيح وشعار تحرير بيت المقدس!.
الأديان لا تتصارع، إنما يتصارع الأتباع، والأتباع لا يتصارعون حول الآلهة والعقائد، بل حول المصالح التي لم يمكن الحصول عليها أو حمايتها إلا بالعنف، لتتخذ الحرب أي مسمى، وتحدث تحت أي لافتة.
هذا ما يقوله تاريخ الحروب والأديان، الوثنية والسماوية، وبما يؤكد على أن لا وجود لحروب دينية أو طائفية خالصة، وأن الحروب التي تتلبس هذه العناوين، هي كغيرها قائمة على تضارب المصالح الشرعية وغير الشرعية.
أكثر من ذلك يؤكد هذا التاريخ أن لا وجود موضوعي لما يسمى صراع الحضارات، لأنه ببساطة، لا توجد غير حضارة بشرية واحدة، تتداول الأمم ريادتها، كما لا وجود حقيقي لصراع الثقافات لأنها متنوعة متعايشة منذ البدء، حتى في الجغرافيا الواحدة والبلد الواحد.