|
|
|
|
|
ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة
بقلم/ إستاذ/عبده محمد الجندي
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 23 يوماً الإثنين 29 مارس - آذار 2010 05:08 م
انعقدت القمة العربية وسط تحديات صهيونية تؤكد أن اسرائيل لا تؤمن بقيام دولة مستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عدوان 1967م وعاصمتها القدس الشريف..
ولا تؤمن بالانسحاب من الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة طبقاً لما نصّت عليه قرارات الشرعية الدولية وما تلتها من الاتفاقات والحوارات الفلسطينية الاسرائيلية والمبادرات الأمريكية والأوروبية، ضاربة عرض الحائط بالمبادرة العربية التي أجمعت عليها جميع الدول العربية الحريصة على إحلال السلام القائم على الحق والعدل، مؤكدة بأن ما أخذ بالاستخدام غير المشروع للقوة الاستعمارية لا يمكن أن يستعاد إلا بالاستخدام المشروع للقوة؛ لأن الكيان الصهيوني الاستعماري العنصري لا يعرف سوى لغة القوة العدوانية طالما توفرت لديه القناعة المسبقة بأن شرعيته مستمدة من الدعم العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، أعظم قوة في التاريخ المعاصر.
أقول ذلك وأقصد به أن أية إدارة أمريكية مهما كانت حريصة على إقامة السلام في الشرق الأوسط وفقاً لحل الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية وانسحاب اسرائيل من بقية الأراضي العربية السورية واللبنانية إلا أنها - أي الإدارة الأمريكية - تظل عاجزة عن ممارسة أي نوع من أنواع الضغط السياسي والاقتصادي على اسرائيل المستندة إلى دعم ومساندة اللوبيات اليهودية الأمريكية صاحبة القول الفصل في الانتخابات الأمريكية، هذه القوة المهابة من كل الأحزاب والمؤسسات والسلطات الدستورية التي تتكون منها الدولة الأمريكية والتي تحتم على البيت الأبيض وعلى أعضاء الكونجرس الإعلان سلفاً أن التزامهم بأمن الدولة الاسرائيلية ودعمها وحمايتها هو القاعدة أو الأصل، وأن مطالبتها بحل الدولتين والاستجابة للمبادرة العربية وتحقيق السلام هي الاستثناء أو الفرع.
ومعنى ذلك أنه لا بديل للضغط على اسرائيل سوى الانتصار لخيار المقاومة المسلحة المستندة إلى الدعم العربي الإسلامي والحق المشروع للأمة العربية في تحرير الأراضي المحتلة بالقوة العسكرية طبقاً لما نصّت عليه قرارات الشرعية الدولية.
ولتكن البداية من هذه القمة العربية التي لم ولن تخرج بقرارات حاسمة مثل سحب المبادرة العربية وتجميد أي تفاوض مع الحكومة الاسرائيلية المتطرفة التي تصر على التوسع في الاستيطان والمضي قدماً في تهويد القدس وتحويلها إلى عاصمة لاسرائيل ناهيك عن التوسع في بناء المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية إلى جانب الجدار العازل وإقامة الحزام الأمني للدولة الاسرائيلية بحيث تنحصر الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، وأضعف القرارات الهامة ذات الأولوية الملحة إلزام حركتي فتح وحماس وبقية الفصائل الأخرى بالإسراع في تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتوحيد وتنويع الأساليب العسكرية والسياسية المقاومة للاحتلال الاسرائيلي، ليس فقط على صعيد الداخل الفلسطيني بل في جميع الأراضي العربية المحتلة وفي كافة المحافل الدولية على قاعدة (ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة).
وقبل ذلك وبعد ذلك لابد من الاعتراف صراحة بأن الخلل يكمن في عجزنا عن توحيد الموقف الفلسطيني وتوحيد الموقف العربي الإسلامي، ولا يتأتى للخلافات العربية العربية أن تزول إلا من خلال الأخذ بالمبادرة اليمنية لإصلاح مسار وآلية العمل القومي، وإحلال الاتحاد العربي محل الجامعة العربية، وبالعودة إلى البحث عن القوة الغائبة في نطاق المعقول والممكن من وحدة الأمة العربية، وسوف يتأكد لنا سلامة وصحة المقولة الناصرية الخالدة: (إن ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة).
وإن الزعماء العرب اليوم مطالبون بالبحث عن شجاعتهم وقوتهم المفقودة بالعودة إلى العظماء من زعماء الأمس وفي مقدمتهم جمال عبدالناصر وهواري بومدين والملك فيصل وحافظ الأسد وصدام حسين رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته.
إن محمود عباس اليوم بحاجة ماسة إلى التواصل مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رحمه الله، وهو بصدد البحث عن قدر معقول ومقبول من قوة الإرادة النادرة على قهر التحدي الصهيوني، ولا أبالغ إذا قلت بأن المبادرة اليمنية أحد الجسور القوية الفاعلة للعبور من الحاضر الأضعف إلى المستقبل الأقوى أو من الحاضر الأسوأ إلى المستقبل الأفضل، وإن هذه المبادرة ستظل إحدى الأولويات الملحة للعمل العربي المشترك حتى ولو لم تقرّها هذه القمة.
أقول ذلك وأقصد به أن ما تقوم به الحكومة الاسرائيلية المتطرفة والرافضة للسلام العادل والشامل والدائم لم يكن عائداً إلى القوة الاسرائيلية في ظروف جديدة أكدت أنها عاجزة عن تحقيق الانتصارات من خلال الحروب الخاطفة والمعتمدة على الضربات الجوية القاتلة للقوة العربية قد فشلت عن أن تحقق في لبنان مع حزب الله وفي غزة مع حركة حماس على نحو ما حققته على جميع الجبهات العربية في حرب الأيام الستة من يونيو حزيران 1967م.
حيث أظهرت قوة العجز القوة الاسرائيلية عاجزة عن تحقيق ما أعلنته من انتصارات ساحقة على المقاومة اللبنانية الفلسطينية، لا بل قل إن عالم اليوم الذي تطورت وسائله واتصالاته وتقنياته الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة لم يعد يتسع لتكرار تلك الحروب الطويلة في عصر يقال عنه عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي وصل إلى ذروته في تقرير جولدستون الذي عرض القيادات الاسرائيلية للاعتقال والمحاكمة في بلدان أوروبية مثل بريطانيا وغيرها من البلدان الأوروبية الغربية الراعية والمؤيدة للكيان الصهيوني العنصري بلا قيود ولا حدود والتي أخذت بالتحول تحت ضغط منظمات المجتمع المدني السياسية والحقوقية الإنسانية من النقيض إلى النقيض بعد أن أكدت الممارسة والهمجية الاسرائيلية في الاستخدام المفرط للقوة أنها اليوم نموذج جديد للنازية المعادية للإنسانية فيما أقدمت عليه من الإبادة الجماعية للفلسطينيين المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ الذين لا حول لهم ولا قوة.
حتى الولايات المتحدة الأمريكية حكومة وشعباً لم تعد كما كانت عليه في الأمس مستعدة بلا مناقشة للدفاع عما تقوم به اسرائيل من استخدام مفرط للقوة إلى حد الإبادة الجماعية؛ في وقت تزعم فيه أن لديها تقاليد ذات قيم تحررية وثقافية وديمقراطية لا تتفق مع ما تمارسه اسرائيل من الغطرسة الدالة على الاستكبار الأعمى.
لقد باتت الإدارة الأمريكية اليوم تمارس لعبة الفيتو على استحياء للدفاع عما تقوم به اسرائيل من جرائم استعمارية وعنصرية تتنافى مع أبسط المقومات الأخلاقية لحقوق الإنسان، ناهيك عما تتعرض له شعوب الولايات المتحدة الأمريكية من مخاطر إرهابية هي في أبعادها العنيفة والقاتلة نوع من أنواع ردود الفعل المضادة للأفعال الإرهابية اليهودية المتطرفة الموجبة للمراجعة والتراجع من جميع الأطراف.
نعم إن حلفاء الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب وفي المصالح الاستراتيجية من العرب ومن المسلمين لا يقلون أهمية عن حلفائها الاسرائيليين الذين تقاتل من أجل أمنهم وتفوقهم؛ إلا أن التطرف الاسرائيلي الذي أفرط في استضعافه للإدارات الأمريكية إلى حد الإحراج سوف يصطدم في نهاية المطاف بما يلحق من أضرار فادحة بمصالح الأمريكيين وأمنهم.
ومعنى ذلك أن التطرف الاسرائيلي الصهيوني العنصري مع الفلسطينيين ومع العرب والمسلمين بشكل عام؛ سوف ينتج عنه تطرف فلسطيني وعربي وإسلامي يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه ولو بعد حين من الضعف والصبر والعقلانية.
إن ما تقوم به حكومة نتنياهو من استفزازات استيطانية واستحداثات يهودية لتغيير الملامح الفلسطينية العربية الإسلامية في القدس الشرقية عمل يغضب الله في السماء والإنسانية في الأرض؛ ناهيك عمّا ينطوي عليه من أطماع توسعية هادفة إلى القضاء على حلم الدولة الفلسطينية بسياسة عدوانية تتصادم مع قرارات الشرعية الدولية وإرادة المجتمع الدولي بأسره.
لابد للأمة العربية من قرارات هامة، ولابد للأمة العربية من مواقف فاعلة ذات أبعاد سياسية واقتصادية صارمة تندرج في نطاق الحق الشرعي للقوة بوضوح لا لبس فيه ولا غموض؛ لأن الحق الفلسطيني العربي فوق القوة الاسرائيلية وآلتها العسكرية المتطورة والقائلة "وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" لأن الضعف لا ينتج عنه سوى المزيد من الضعف المركب الناتج عن الاستضعاف والاستجبار الاسرائيلي من جهة وعن الإضعاف الفلسطيني العربي للذات والاستسلام للقوة من جهة مقابلة؛ وذلك يشبه المبادلة بين ضياع الممكن وسراب وهم المستحيل.
وأي قبول بأنصاف الحلول وبتقديم المزيد من التنازلات لا ينتج عنه سوى استحالة حل الدولة الفلسطينية، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية لاجئين يبحثون لأنفسهم عن توطين في أرض غير أرضهم وفي دولة غير دولتهم الفلسطينية الموعودة، وذلك هو القبول المجنون بالموت الفلسطيني البطيء الذي يجعل القضية المركزية للأمة العربية وللعالم الإسلامي مجرد ذكرى في الماضي يُقرأ عنها في الكتب التاريخية؛ ولكن لا نجد لها حقيقة في الجغرافيا السياسية على الأرض!!.
|
|
|
|
|
|
|
|