«1»
لولا أصدقاء مجانين في نقاوتهم ونبلهم ما استطاع أحدنا تحمُّل شقاوة وبؤس هذا العالم المتدهور والمشوّه؛ لذلك يجب أن نعترف أن أصدقاءنا في عموم العالم هم الشعب الوحيد الذي يجب أن ننتمي إليه، الأصدقاء البسطاء غير الأشرار، الأصدقاء الطيبون كأوطانهم التي تضيع، أصدقاء الرغبات المشاكسة وأغاني الهزائم الحلوة بشرودهم غير الرتيب وجموحهم المأساوي، كما بعدم انتظاراتهم وبعدم ندمهم أيضاً، فاتحة الإنسانية وإخوة الأفق وأهل الألم الروحي الحقيقي، يضرّجهم التمرُّد ويهيمون في الحنين الغامض وتعج بهم الأحلام الكبرى.
«2»
هنالك حملة لمساعدة الليل على الليل، والأصدقاء على علب سجائرهم، والعشاق على خياناتهم الريفية الحميمة، وهنالك ذكريات ونسيانات يطوّقها مجاذيب يرقصون ويتدفّقون من كل الجهات، لا مفر إذاً من إصابة القصيدة في صدغها كي ترفرف أكثر.
على أن عدد القتلة والقتلى مازال يرتفع في حنيني، حنيني الملتزم بحنيني، الحنين الأكثر واقعية والأكثر ميتافيزيقية، حنين الهائج كصدفة أو كقدر في طمأنينة الذعر وبس، الحنين الأزرق المبهوت بالإشراقات، حنيننا الجمعي إلى الجنون كغرباء في عز عقلانية قياماتهم اليومية كملاعين ينطلقون إلى الأقاصي ويعودون برعشة اللا شيء متماهية مع الأشياء كلها، حنين زهرتنا الحلمية للعودة إلى غصنها العذب المعذب فقط، زهرتنا البريئة التي لا تشمئز من الحقيقة كما من المجهول، وكنّا قطفناها سهواً بكل قسوة وحنو وإصرار.
fathi_nasr@hotmail.com