احتفظ في هاتفي بمنظرين التقطتهما « فيديو « الأول شاب في الشارع الممتد بين الخمسين والسبعين يخرج كل جسده من نافذة السيارة ليلتصق رأسه بالأسفلت، ولا يترك غير قدمه فيما المقاعد والخانة مكتظة بالركاب مسرعة .
· المشهد يعكس امتلاك الشاب كثيراً من اللياقة وأكثر من الجنون والمخاطرة وعدم الاحترام لما تبقى من الذوق العام.
والمشهد الثاني شيخ عجوز ينبش في القمامة عن أشياء بصورة تكشف قسوة الأوضاع تجاه عجوز بائس .. قليل الحيلة .. مثقل بالأحزان .. يدعو كل قادر على الإسهام في أن يغادر أمثاله ضيق أحوالا نراها في غالبية تتمنى أن يستحضر الاحساس الحكومي والمجتمعي دلالة المأثور « إن الله يستحي من ذي شيبه « .
· ولا ريب أن ذاكرة كل منكم تحتفظ بأشياء مروعة تكشف ما أصاب الجسد اليمني من التردي .. تردي الاستهانة بالأرواح .. قتلاً وجراحاً وإعاقة ، وإشاعة لثنائية الجوع والخوف .. والرعب أن القتيل راض فيما لم يرض القاتل .
· وأما بعد .. أهلا بكم في رحلة يمنية مثيرة للخوف والقلق .
ويا أهل الحارة أتوسل إليكم بأن تسمعوا الإشارة .
هذه بلادنا وليس لنا غيرها .. وببساطة فإن ما نفعله باليمن يضيّق علينا ذات الفرص التي سهلت لنا الهجرات التاريخية المتلاحقة منذ سيل العرم وحكاية الفأر الذي هدم السد وما بعد ذلك من حروب ومواجهات هدم المعبد .
· لابد من الدولة ولو في اليمن .. ولا غنى عن تفادي احتمال انفلات الزمام بما فيه من المآسي البيولوجية والاجتماعية والأخلاقية .. ليحضر بعضنا استحضار المثل لقد ضربوا الأعور في عينه المصابة فقال لا بأس .. خسرانة خسرانة .. لأننا أمام وطن تريد له قوى الشر أن يتمزق مستفيدة من أجواء كنا فيها لا نفعل شيئاً لبلادنا من أجل المستقبل فأصبحنا نصفع هذا المستقبل في وجهه .
· وعذراً لنبدأ بالسؤال السهل وعلامة الاستفهام الصغيرة من أنت ؟
أنا يمني .. وإذن هل للجواب أي استحقاق ..
أما أول الاستحقاق فهو أنه لا يمكن أن نغادر الألم وأذهاننا مشدودة إلى الشك وإلى سوء النوايا وإلى السلطة ، خاصة وأن من يطمع بالسلطة يحتاج لأن يحتفظ بالأرض وبالشعب وبالسلالم الموصلة إلى الحكم .
· وبعد النوايا .. هناك دائماً مساحة من الاتفاق يمكن أن تصل إليها الأطراف استفيدوا منها من أجل الشعب والوطن ومن أجل أبناء لكم لا يعرف إلا الله ماذا يكتب لهم في ظهر الغيب في ظل ثقافة المجازفة وسياسات إفلات الزمام وتوريث الأحقاد .
· صحيح أننا معجونون بالعناد وبالنفاق والتكاذب درجة لا نحتاج فيها لجهاز كشف الكذب .. لكن لابد من التواضع .. لابد من التراجع المتبادل ، والاتجاه نحو انجاز دستوري يحفظ لليمن وحدته ، وانتخابات تضبط قواعد الاشتباك السياسي بالديمقراطية التي حدد الشعب خياره فيها.
· ورغم كثرة المحظورات وكثرة الالغام في حياتنا لا غنى عن الصدق الحذر ، والأخذ بقواعد إعادة بناء الأوطان ، والتداوي من فتق معسول الكلام .. أما أنا فسأختتم بالاعتراف بكوني لا استطيع أن أمشي بجانب برميل القمامة ثم أغني « ممشوق القوام .. نهب فؤادي قوامه « ...وسلامتكم ..