بصرف النظر عن "عملية تحرير العراق"، ربما يكون تمرد الحوثيين في شمال اليمن أكبر حرب شهدها العالم العربي على مدار عقد من الزمن. لقد أثبت هذا التمرد أنه أكبر مستنزف للموارد المادية والبشرية اليمنية كما أنه الشغل الشاغل لحكومة صنعاء على مدى السنوات الخمس الماضية. ونظراً للعديد من الأزمات المالية والسياسية وأزمات الموارد التي تعاني منها الدولة، لا يمكن أن تتحمّل اليمن هذا الصراع. ومن المفارقات، يبدو أيضاً أن التمرد هو واحد من أكبر التحديات الأمنية القابلة للحل في اليمن.
الخلفية
بدأت الحرب بين الحكومة الفيدرالية وعشائر الحوثيين في حزيران/يونيو 2004، وكانت تتميز بالقتال المستمر بدرجات كثافة متفاوتة تخللتها عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار ومحاولات للتوسط بين الأطراف (حيث تحصي الحكومة اليمنية ست مراحل من القتال النشط).
وفي لب هذا الصراع، نجد أنه نزاع على السلطة بين الأطراف الفيدرالية والأطراف المحلية. وتشكل محافظة صعدة في شمال غرب اليمن بالقرب من الحدود السعودية بؤرة هذا التمرد. وقد انتشرت المناوشات إلى صنعاء بل وحتى إلى المملكة العربية السعودية التي تم جرها عسكرياً إلى القتال في بعض الأحيان.
ويقال بأن الصراع قد أسفر عن إصابة ما بين 20,000 و 30,000 شخصاً، من بينهم مقاتلون وغير مقاتلين. وكثيراً ما يكون من الصعب التمييز بين هاتين الفئتين لأن كلاً من الحوثيين والميليشيات القبلية التي تساندها الحكومة يقاتلان من داخل مناطق السكان المدنيين. وتتأرجح تقديرات عدد الأشخاص المشردين داخلياً في حدود الـ 150,000 شخص وأكثر من 3,000 آخرين يقال أنهم تحت الإحتجاز الحكومي في شمال البلاد.
وقف إطلاق النار الحالي
يشير تبنّي الحكومة لاتفاق وقف إطلاق النار في شباط/فبراير 2010 إلى أن سياسة الأرض المحروقة التي كانت تطبقها صنعاء في المرحلة السادسة من الحرب لم تكن ناجحة. ومن جانبهم، سعى الحوثيون إلى تجنب حرب على جبهتين تشمل المملكة العربية السعودية، التي بدأ جيشها يواجههم بصورة مباشرة قبل الهدنة. وليس من الواضح ما إذا كانت القوات البرية قد انخرطت في هذه المواجهات أم لا، لكن قد تم تأكيد قيام الضربات الجوية السعودية ضد الأهداف الحوثية. وقد أتى اتفاق وقف إطلاق النار أيضاً في الوقت الذي كانت فيه التهديدات التي شكلها تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» وتلك التي أتت من الإنفصاليين الجنوبيين آخذة في التصاعد، بحيث فاقت قدرات قوات الأمن الحكومية. لقد كانت هناك [عدة] بنود ضمن الشروط الي تم ذكرها لوقف إطلاق النار، مثل إزالة حواجز الطرق والألغام الأرضية، وإنهاء التحصينات للمناطق الحوثية، وإعادة الأسلحة والبضائع المدنية السعودية التي تم الاستيلاء عليها، وإطلاق سراح المعتقلين العسكريين والمدنيين السعوديين واليمنيين، وإنهاء الأعمال العدائية في الأراضي السعودية. ومع ذلك، يصعب قياس هذه الشروط بموضوعية بل وربما سيثبت من الصعب تنفيذها، في ضوء وجهات نظر [سكان] شمال البلاد حول المنطقة. ومن المرجح أيضاً أن تؤدي المعايير الثقافية - وخاصة العرف القائم منذ فترة طويلة والمتمثل بامتلاك الذكور للأسلحة - إلى استباق أية محاولة لنزع السلاح. وبالمثل، فإن الحاجة الثقافية لكلا الطرفين بأن يُنظر إليهما كمتكافئين في المفاوضات، تميل إلى التناقض مع المفاهيم الحديثة لسيادة الدولة. ونتيجة لذلك، من المرجح أن ينهار اتفاق وقف إطلاق النار مثل حالات أخرى قبله: ويمكن للمرء أن يجد بالفعل دلائل على أن المرحلة السابعة من الصراع آخذة في الإقتراب بصورة أكثر.
القدرات الحكومية والحوثية
لدى جيش اليمن أعداد كبيرة من الأسلحة الثقيلة لكنه يعتمد على الخدمة العسكرية الإلزامية والتجهيزات غير المنظمة. ورغم ادعاءات الحكومة بأنها قامت بهجمات قصف دقيقة ضد أهداف حوثية، إلا أن القوات الجوية السعودية والأمريكية هي التي قامت في الواقع بتنفيذ تلك الغارات. وبالإضافة إلى ذلك، تم استخدام بعض التجهيزات، التي قدمتها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، ضد الحوثيين. وقد وفرت صور تلك المعدات الأمريكية - التي تم الإستيلاء عليها أو تدميرها - تعزيزاً دعائياً للحوثيين.
ومن جانبهم يحارب الحوثيون كخلايا مرتكزة على أساس القرابة العائلية، وعلاقات الشبكة الإجتماعية المرتبطة بالثقة، والقتال على أراضيهم، غير أن تنظيمهم فضفاض مما يضمن عدم إمكانية القضاء على قيادتهم بسهولة، عن طريق الهجمات الحكومية.
كما أن الحوثيين مسلحون جيداً وبصورة متزايدة. وهناك لقطات فيديو مفتوحة المصدر لمقاتلين متمردين يبدو أنها تُظهر قاذفات قنابل جديدة تدفعها الصواريخ، بما في ذلك رؤوس حربية متقدمة لصواريخ "آر. پي. جي. 29". وقد تمكنوا أيضاً من الإستيلاء على أسلحة حكومية في كل مرحلة من مراحل الحرب، بما في ذلك أسلحة وفرتها أوروبا أو الولايات المتحدة - حسب المعايير المستعملة في حلف شمال الأطلسي. وقد تم أسر بعض الحوثيين الذين كشفوا عن معدات سعودية للرؤية الليلية وأجهزة تعيين المدى عن طريق أشعة الليزر، على الرغم من عدم وجود إشارة بأنهم حصلوا على كميات كبيرة من مثل هذه "الأجهزة والمواد العسكرية" أو قاموا بتشغيل هذه المعدات بكفاءة.
تمييز التمرد
سيكون من الخطأ تسمية التمرد بأنه حركة شيعية لمجرد كون الحوثيين زيديين. وعلى الرغم من أن أبناء الطائفة الزيدية يجلُّون الرموز الدينية الشيعية إلا أن عقيدتهم السياسية مختلفة بصورة مميزة عن الشيعة الإثنى عشرية؛ فعلى سبيل المثال، تبنت الأخيرة ولاية الفقيه بينما تخلى الحوثيون عن المطالبة بإمامة سياسية
إن الجوانب القبلية للتمرد [هي الأخرى] معقدة أيضاً. فعلى الرغم من أن القتال ليس قبلياً محضاً في طبيعته إلا أن الروابط القبلية أصبحت الآن وسيلة للتعبئة، مما يخلق صراعاً مستداماً بذاته ومرتكزاً على الثأر القبلي. وتحديداً، إن قيام الحكومة باستقطاب القوات القبلية المحلية المجندة لخوض الحرب، هي خطوة تخاطر بتفاقم الموقف.
وعلاوة على ذلك، وبعد تدقيق أقرب، لا يبدو حقاً أن الثورة مشابهة لتمرد - الذي تعرّفه المبادئ [السياسية] الأمريكية بأنه حركة منظمة متمسكة باغتصاب السلطة من الحكومة القائمة. ولا يوجد شيء يدل على أن هذه هي غاية الحوثيين في الوقت الحالي- فالصراع هو على محيط السلطة بين الدولة وأقلية مهمشة معتادة على الحكم الذاتي.
وفيما يخص مزاعم الخصوم [عن قيام] مساعدات إيرانية سرية إلى الحوثيين، لا توجد أدلة دامغة عن وجود مثل هذه الروابط. فلا يظهر المتمردون اليمنيون أية أنواع من القدرات المستخدمة من قبل وكلاء إيران مثل «حزب الله» و«حماس» وميليشيات عراقية معينة (على سبيل المثال، صواريخ 107 و122 ملم؛ وقنابل متطورة مزروعة على جانب الطريق). إن الحوثيين ليسوا بحاجة إلى السعي للحصول على أسلحة خفيفة من إيران، لأن مثل هذه الأسلحة متوفرة بسهولة في اليمن.
وتجدر الإشارة [هنا] أيضاً بأنه على الرغم من قيام الحوثيين بتعزيز شعار غير ودي تماماً - "الموت لأمريكا وإسرائيل، واللعنة على اليهود، والنصر للإسلام" - إلا أنهم لم يشنوا ولو عملاً عدائياً واحداً ضد الولايات المتحدة أو الأصول الأمريكية في المنطقة. وفي الواقع، يشارك الحوثيون نفس العداء الذي تكنه الولايات المتحدة تجاه الإسلام السني السلفي الراديكالي الذي ساعد على تحريض ظهورهم كحركة تمرد في المقام الأول.
وماذا بعد؟
يجذب مستوى الصراع في الوقت الحالي، اهتمام وموارد اليمن بدلاً من التركيز على المشاكل المُلحة الكثيرة التي تعاني منها تلك البلاد. وكلما يتم جرّ دول إقليمية إلى القتال، قد يصبح حل المشكلة أكثر صعوبة.
من المرجح أن يستمر القتال حتى تقوم الحكومة اليمنية بالإستثمار في إعادة الإعمار وإضفاء الشرعية على المنتمين للحوثيين كممثلين سياسيين في عملية المصالحة. وسوف تستمر التوترات أيضاً ما لم تقم صنعاء بإضفاء الشرعية على نقاط مثل الزيدية والهوية القبلية الشمالية كأجزاء متممة ومميزة من الهوية اليمنية. وتعتبر حرب الدعايات التي تشوه صورة كل طرف، وكذلك الوجود المستمر للقوات العسكرية من كلا الطرفين في المناطق المتنازع عليها بمثابة عقبة في طريق السلام. وربما يكون الوجود الدولي ضرورياً لمراقبة وقف إطلاق النار، وفرض شروط عادلة، وتسهيل محادثات الوساطة، والمساعدة على تمويل إعادة الإعمار.
وبما أن الصراع مع الحوثيين قد أصبح غير مُحتمل بشكل متزايد، يبدو أنه يدفع صنعاء باتجاه التسوية مع المقاتلين المحليين من العرب السنة. ومن غير المرجح أن تكون اليمن شريكاً كاملاً في النضال الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التطرف المسلح، إلى أن تستطيع حل التمرد، وإنهاء الإستنزاف المتواصل للموارد النادرة.
*نقلا عن شفاف الشرق الاوسط:
* معهد واشنطن