يتكرّس الثامن من مارس يوم العيد العالمي للمرأة إلى رمز لنضالاتها على مستوى العالم، وبهذه المناسبة القيمية الفارقة التي مرّت قبل يومين أحيّي كفاح المرأة اليمنية العظيمة التي تكابد ضد الطبقية الذكورية المتخلّفة بعزيمة وإصرار من أجل النهضة وضد الاضطهاد.
على أن المرأة اليمنية تعاني أكثر من غيرها تحدّيات ثقافية مازالت تعيق تقدّم أوضاعها كما ينبغي، في حين تتفاقم المعاناة الاجتماعية التي تعانيها أكثر من الرجل مع أنهما يتساويان؛ إذا جاز التعبير في جملة انتهاكات لحقوقهما.
والأنكى أن هناك تشريعات تنتقص من حق المرأة، كما مازلنا نفتقد إلى تشريعات تصون حقوقها، فالثقافة الاجتماعية السلبية تحط من مكانة المرأة للأسف، وهي ثقافة تمييز وقصور وعي وإجحافات متنوّعة، لكن المرأة اليمنية قدّمت تضحيات مدهشة في كل الأحداث الكبرى التي مرّت بها اليمن في تاريخها الحديث.
وكما نصّت وثيقة مؤتمر الحوار؛ فإنه يجب تخليد دور المرأة في الذاكرة الوطنية اعترافاً بدورها المتميّز في كل مراحل التحوّلات السياسية والاجتماعية، بينما يجب على الدولة اتخاذ الإجراءات القانونية التي من شأنها تمكين النساء من ممارسة كل حقوقهن السياسية والمشاركة الإيجابية في الحياة العامة وفقاً لأحكام الدستور؛ وذلك بما يكفل للمرأة كافة الحقوق الإنسانية والمدنية وحقوق المواطنة المتساوية مع أهمية إشاعة ثقافة ضمن سياسة وطنية خالية من التمييز ضدّها وحل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها؛ وبشكل خاص؛ تسهيل الخدمات للمرأة الريفية، والحصول على جميع أنواع التدريب والتعليم والفرص الاقتصادية وعلى الائتمان والقروض الزراعية، وكذا حق المرأة العاملة في مؤسسات الدولة بالتمتع بالحقوق الخصوصية المتصلة بالحمل والولادة، واعتبار الإنجاب وظيفة اجتماعية يتحمّل عبئها الوالدان ومؤسسات الدولة.
فضلاً عن ذلك وجوب تجريم كافة أشكال وأنواع العنف ضد المرأة وتفعيل حق المرأة المعاقة أو المسنّة في الحصول على الخدمات الاجتماعية الكاملة إلى جانب إنشاء مراكز خاصة للنساء الريفيات لتنمية قدراتهن؛ على أن تُنشأ في مراكز الشرطة أقسام تختص بقضايا المرأة والطفل والعنف الأسري وبكادر نسائي.
وفي السياق إصدار قانون للأسرة يضمن الحقوق الإنسانية والاجتماعية للمرأة وحمايتها من كافة أشكال التمييز والممارسات اللا إنسانية بما يضمن حقها في الميراث وحقها في اختيار شريك حياتها وتضمين مواد مناسبة لغلاء المهور وتوفير الحماية التعويضية للأرامل والمطلّقات وضمان تعليم الفتاة.
أما مسوّدة الدستور الجديد؛ فقد جاءت ملبية لأغلب هذه التطلُّعات وذلك في جملة مواد أبرزها أن المواطنين متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة دون تمييز؛ وأنه تفعيلاً لمبدأ المواطنة المتساوية تعمل الدولة من خلال سن تشريعات واتخاذ إجراءات لتحقيق مشاركة سياسية فاعلة للنساء بما يضمن الوصول إلى نسبة لا تقل عن 30 % في مختلف السلطات والهيئات، كذلك أن تشجّع الدولة مراكز الإرشاد الأسري وتنشئ محاكم خاصة بقضايا الأسرة تضمن سرعة إجراءات التقاضي بما يكفل العدالة، وأن تلتزم الدولة بدعم ورعاية المرأة وسن القوانين التي تكفل حمايتها ورفع مكانتها في المجتمع والقضاء على الثقافة السلبية والعادات الاجتماعية التي تنتقص من كرامتها.
إلا أن كل ما سبق يحتاج أولاً إلى ضرورة نشر الوعي في أوساط المواطنين بأهمية تعزيز مشاركة المرأة كما ينبغي، ثم إن نهوض المرأة والتطوّر المجتمعي قيمتان مكملتان لبعضهما، وعلينا أن نصحّح رؤيتنا للمرأة حتى تتجاوز كل المعوّقات المتراكمة بالتنمية الذاتية والوعي السليم؛ إذ برقي النساء خصوصاً يمكن لمؤشرات التخلّف في أي مجتمع أن تتقهقر، كما لا يمكن لأي مجتمع يأمل بالتحوّل نحو الفاعلية الحقيقية إهمال معنى المرأة كرأسمال اجتماعي ذي دور محوري - وليس أدنى - في حركة التقدُّم والإبداع وتفكيك بنى التمييز والتجهيل والانحطاط الراسخة.. والحاصل هو أن المرأة اليمنية مازالت تكافح من أجل حقوقها المهمّشة والمنسية بصلابة خلّابة، كما من أجل العدالة الاجتماعية وبناء مجتمع آمن للمواطنة بما يعزّز ويدعم كل القيم الإنسانية المشتركة والسامية في المجتمع، وهي تتقدّم عموماً رغم كل معوّقات الواقع المحبط.
لذلك فليستمر الاعتزاز التام بنضالها المستميت، خصوصاً وقد حقّقت عدّة مكتسبات فارقة ومتفوّقة، رغم أنها في مجتمع مأزوم يعاملها بإقصاء وبوعي قاصر وبسياجات مفاهيمية شائكة، وعلى نحو جوهري تحتاج المرأة اليمنية بالذات إلى مناخ مناسب يليق بحقوقها بصفتها على رأس البؤر المجتمعية الفاعلة في البلد..ثم إن الأهم هو حاجة المرأة اليمنية في الأساس إلى ضمانات قانونية منصفة وشجاعة؛ وبمعنى آخر يجب إدانة التهميش الذي يطال المرأة بشكل واضح من كافة قوى المجتمع، ولا ننسى في السياق أيضاً حاجتها الكبيرة والملحّة من الدولة إلى الاهتمام النوعي الكافي بما يساعدها في بناء قدراتها التعليمية والعملية والصحّية؛ باعتبار أن المرأة في المقام الأول هي الأكثر تضرّراً من التهميش والفساد والمرض والفقر وحجم الأمّية الرهيبة التي يعانيها البلد.
فقط.. لنجدّد العهد دائماً بالوقوف ضد إعاقات فرص المرأة في التمكين لصالح الرجل على أساس اضطهادي غالباً لا مهني، أو على أساس ذكوري تسلُّطي مأزوم غير عادل ولا يؤمن بالشراكة والتكامل والاحترام وتحقيق الكرامة الانسانية، وكما يقول التاريخ فإن تطوّر المجتمعات يمكن قياسه بتطوّر المرأة؛ لأن المرأة هي العمق الحقيقي لأي مجتمع سوي.
fathi_nasr@hotmail.com