(بصرف النظر عن نُبل أو خسّة الهدف من إنشائها، وسواء كانت تلك التي تكونت في: صنعاء أو عدن أو أبين أو صعدة أو تعز أو مأرب أو الحديدة أو البيضاء أو حضرموت)
أعتقد أن تكوين وحدات قتالية ووصفها بأنها "لجان شعبية" وإحلالها محل الجيش والأمن يُشَكّل خطراً على حاضر ومستقبل البلاد، لأن تلك الوحدات تنشأ لتؤدي دوراً خاصاً يرتبط بأهداف وتطلعات من أسسها، وبالتالي ليست من الوطنية والشعبية في شيء، وإن كان بعضها خير من بعض، ولكن مجموعها سيتحول إلى مليشيات متناحرة، تتسبب بكارثة وطنية، وينتج عنها عاهة مُستدامة، وذلك لأسباب كثيرة من أهمها في نظري:
1. أن أغلب الملتحقين بها هم من الشباب المتحمس، المندفع - تحت ضغط التحريض المتبادل وحدّة الاصطفاف - وهذا ما سيجعلهم غير متقبلين لما قد ينتهي إليه السياسيون من المصالحة، خصوصاً إذا شعرت هذه اللجان أو تلك أنها قادرة على تغيير المعادلات السياسية أو فرض واقع مختلف على الأرض بقوة السلاح.
2. وجود تلك اللجان كأذرع عسكرية للتيارات السياسية، تجعل المفاوضين على طاولة الحوار يرون أنهم فوق القانون الأخلاقي والإنساني، بل هم القانون نفسه لكونهم متغلبين بما يطلقون عليه (الشرعية الثورية)، وبهذا يفقد أي حوار قيمته ومعناه التوافقي المبني على المُراضاة وتَوثيق عُقود الأمان والطمأنينة.
3. قد يكون من السهل على أي جهة خارجية ترغب في التدخل في شأن البلاد أن تنفذ من خلال تلك التشكيلات، وتتبناها وتدعمها ولو تحت مظلة وطنية، وشعار أخلاقي أو ديني أو إنساني، وما أكثر المهرولين وراء تلك الشعارات.
4. عندما تتوسع تلك اللجان وتتمكن من الإمساك بأطراف من خيوط اللعبة، فإنها ستُنتج لأنفسها قيادات منها، وتتفلت بالتّدرج من يد من أنشأها، فيصعب بعد ذلك ضبطها والتحكم فيها، وتتحول من أذرع عسكرية منفّذة إلى كيانات عسكرية فارضة لأجندتها، ومن الطبيعي أن تشتبك مع بعضها لأتفه الأسباب.
5. جرت العادة أن من يفاوض في ميدان السياسة في يده وسيلة من وسائل القهر والغلبة، فإنه يعيش حالة استنفار يرى معها أن من الذل والتراجع أن يقبل بأقل مما يريد، وعند ذلك تصطدم الإرادات وتحِل الكارثة.
6. ستَدّعي كل تشكيلة من تلك اللجان أنها قد ضحت في (سبيل الوطن) وتفرّغت لخدمته حمته من عملاء الداخل وشياطين الخارج، وترى أنه لا بد من استيعابها في قوام الجيش، وتمثيلها مع الكيانات السياسية.
7. عندما تلتحق المليشيات بالجيش - باعتبارها جزء من هذا الشعب - فإنها تلتحق به ومعها ولاءاتها الخاصة وما تشبعت به من تعبئة حتى ضد من يُفترض أنهم رفاق السلاح والظهور الحامية .