كثيراً ما طلبتُ من الانتجلنسيا السياسية الوطنية قراءة كتاب عالم التاريخ والحضارات «جوستاف لوبون» بعنوان «سيكولوجيا الجماهير» المقرون بمقدّمات وتداعيات الثورة الفرنسية، كما تمنّيتُ على الكثيرين من أصدقائي قراءة سلسلة روايات الكولومبي العتيد «جابرييل جارسيا ماركيز» ذات الصلة بتواريخ الانعطافات والثورات والانقلابات في أمريكا اللاتينية، وخاصة روايات «مائة عام من العزلة، وخريف البطريريك، والجنرال في متاهته» وكلّها أعمال تستحق قراءة استعادية في الأحوال الراهنة.
هذ الاستعادات تذكّرني بما ذهب إليه رجل التاريخ الكبير «آرنست توينبي» حين تحدّث عن مآثر ابن خلدون في علم التاريخ والاجتماع، تماماً كالفيلسوف «أوجست كونت» الذي أعاد إنتاج مرئيات ابن خلدون بكيفيات مختلفة، وسنرى أنه لم يبتعد عن الروافد الخلدونية؛ سواء تم ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة.
تكمن أهمية هذه الاستعادة لتراث ابن خلدون في أننا نعيش لحظة تاريخية تنبري فيه ذات الأسئلة الوجودية القلقة، لحظة تتقاطع فيها الصُدفة العمياء بالضرورة الموضوعية، وتشهد فيها المجتمعات العربية تحوّلات تراجيدية أقرب إلى الحمية القسرية، وتتكاثر فيها أصوات الناعقين الصارخين خارج نطاق العقل والمنطق، ويقول فيها التاريخ كلمته الفاصلة كما لو أنه يمكر بنا ويسخر من تقديراتنا الواهية.
Omaraziz105@gmail.com