|
|
|
|
|
من حكايا الحرب (1)..أغنى إنسان في اليمن
بقلم/ صحفي/فكري قاسم
نشر منذ: 9 سنوات و 6 أشهر و 19 يوماً الأحد 03 مايو 2015 09:25 م
في أوقات فراغه يلهو في المزرعة ويجني اموالا طائلة وبقية الوقت يوزع البهجة للجميع ولا يوم شفته ضابح اويحسب للخسارات. يشتري لنا كل شيء وتشوفه يأكل كدمة وسحاوق وهو مبتسم ويعزمك بإلحاح : هيا ياعم ، أمانه طعم من قلبه ، وقلب "البرطي" طهور ونظيف ورأسماله كبير جدا ، وكل اللي يعرفوه يصيحوا له " يابرطي" ويرد على الكل ولايرد احد خائبا وكسر راسه لو جلس يرتاح ويفصلوا النت ، وهو شخص دؤوب ويحب الاحاطة بكل مايدور في المزرعة .
اسمه في البطاقة : ابراهيم محمد الكحلاني ، وله ضحكة بريئة وتدخل القلب بسرعة والموتر حقه وسيلة نقل عامة لاتعجزها الحرب . قطعوا البترول ، مشى الموتر بالكيروسين ، اعتدم الكيروسين " الجاز" مشاه بتينار وبكره بيقطعوه ويمشيه بسليط جلجل ، وخدماته 24 ساعة لاتتوقف يوصل هذا ويوصل ذاك ومافيش حي ولا هيجة الا والبرطي يعرفها ومافيش مهرة الا ويعملها لك البرطي . يصلح شبكة الوايرلس بحرفنة عالية ، ويصلح التلفزيون لو تعطل ويفهم في الكمبيوتر ويصلح القصب حق الماء ويفكفك الماطور الكهربائي ويرجعه يمشي على غاز بدلا من البترول المعدوم .. وبعد ان ينتهي من كل خدماته يطرح المدكى ويفتح من جواله اغان يمنية متنوعة ترد الروح ، وتتصل به وهو يسوق الموتر يوقف يكلمك ويسجل احتياجاتك الإضافية في مفكرة التلفون وينتهي من تسجيلها يتصل لخطيبته وهو يسوق ويقولها : مالك ماتسمعيش ؟ ومن ثم يحدثها عن اخر اخبار الضربات الجوية باعتبار الموتر حقه طيارة تمشي على الارض .
من بعد" عقد القران " تم إضافة خط رحلة جديد لموتر " البرطي" وصار شهريا يقطع المسافة من تعز الى " التربة" فوق الموتر لزيارة "المرة" وماعد يوصل جنبها الا وقد هوه اغبر أدبر ورائحة التينار تسبقه الى الباب ، وهي تشوفه أوسم واحد في الدنيا . وله ثلاث سنين داخل في جمعية يوالف مهر الزواج . وقبل شهرين دفع المهر كاملا 600 الف ريال وحدثني بفخر : خلاص ياعم دفعنا المهر كله ، باقي حق الفستان و5000 الف ريال غلاق بدلة العرس حقي عند الخياط ، ونزيد ندبر السيارة حق يوم الزفة والبرطي يروح المره ، وأهه.
كان يفترض ان يتزوج " البرطي" هذا الشهر لكن قرحت الحرب وقال لي وهو يضحك : شفت الجماعة ياعم ؟ دريوا ان البرطي بيروح المرة قرحوها حرب ، لكن الله ع ينصرني عليهم في المزرعة .وأمس كان مخزن جنبي وهو قلق .. قلت له : مالك يابرطي ؟ قال لي : عم ممكن اولع الماطور شويه اسقي المزرعة بس واطفيه وحال انتهي من مهمته تلك عاد الي فرحانا يضحك لأنه لايزال يجني ارباحا طائلة في المزرعة السعيدة .
من الحظوظ الجميلة في الحياة أن يصبح هذا البرطي رفيقك الذي لم يحدثك يوما عن القناعة وتشاهده يزبط كل الخسارات بقدميه المشققتين من الريح ويعيش بسعادة لاتتوفر لدى اثرى الأثرياء في البلد .
البرطي مش هو موظف مع الدولة ولم ينهي تعليمه الثانوي لا مخسر الحكومة أي شيء ، وهو كائن خفيف على الحياة ويعمل معي "حارسا" للصحيفةـ و لوغاب "البرطي"عنا يوم واحد نشعر بالوحشة وباليتم وله صوت جميل ، يهبط علينا كالنسيم العليل ونحن نرتكض بوعثاء العمل وهو مخزن في مكانه المعتاد يدندن للحياة بصوته يملأ جو العمل بالوداعة . ولد البرطي في تعز لأب من حجة وأم من الحجرية وعاش في " الحجملية" وهي حارتي التي يتنازعها الان شبح المليشيات وملامح احتشاد طائفي سيجعل "البرطي" يوما ما حزين .
* |
|
|
|
|
|
|
|