طرحت في فترة من حكم السادات ومبارك في مصر عبر الصحافة مسألة إرسال أو تواجد القوات المصرية في اليمن بعد ثورة سبتمبر، وما مدى صواب أو خطأ ذلك ربطا بهزيمة 1967م!!.
في اليمن لم يكن ممكنا طرح الوجه اليمني لهذه القضية ربطاً بحرب أهلية لثماني سنوات أو إدخال اليمن والثورة الوليدة في صراع مع الشقيقة المصرية بسبب التواجد المصري.
إذا أحد أفراد الأسرة الإمامية "علي ابن إبراهيم" قال قبل عامين تقريباً عن الرئيس القاضي الإرياني "إنه إمامي ظل طريقه فوجد نفسه رئيساً للمجلس الجمهوري"، فإن تعاطي مثل هذه القضية في عهده أو أي حاكم آخر إنما ذلك إثبات وإدانة برجعيته، وإمامية التعاطي ومن يتعاطى حتى أصبح هذا الواقع له متراكم قمع داخلي وداخل الذات غير مستوى القمع الخارجي في ظل تغيير وتغير الأنظمة.
استبداد النظام الإمامي وظلمه وظلاميته، واستبداد وجبروت النظام الاستعماري، لا يقارن بثورة سبتمبر واكتوبر مهما أخطأت، وبالتالي كان كثير الأهمية للوعي ما إذا كانت ثورة سبتمبر أو اكتوبر أخطأت في استدعاء قوات مصرية أو الخيار الشيوعي الأممي لتحسين الأفضلية للثورة ولواقعها ولا علاقة له بالعهود البغيضة لإمامة أو استعمار.
إذا كان من ثورة أخرى مدت في الواقع ومارست وقع نظام، فهي الأسلمة المضادة للشيوعية منذ حروب المناطق الوسطى، بدليل أنها ظلت الخطر المتوغل داخل النظام بصنعاء وفي مفاصله، تهدده بالإقصاء وبرز ثقلها في محطة ديمقراطية كما انتخابات 1993م أو في محطة صراع كما حرب 1994م وما بعدها، ولا أستطيع فهم أو تفهم تملك الإصلاح لأوسع مساحة في المنطقة الحرة ليبتز تعويضا بمشاركته في انتخابات 1997م يصل إلى ملياري ريال.
الرئيس صالح حين ظل يؤكد ويكرر الحنين للماضي بالتفكيك كعودة إلى الانفصال أو إلى النظام الإمامي، فإنه من حيث يعي أو لم يلتفت له كوعي لم يكن فقط يكرس مفهوماً بغض النظر عن براءة وسيلة ونقاء الهدف كوحدة وطنية أو مواجهة أية ثقافة وفكر تمزيق.
لنا التساؤل ما إذا كان الإنذار الأميركي أو الثورة المصرية والعربية هي التي أجبرت العدوان الثلاثي على مصر 1956م على الرحيل؟!!..
الطبيعي التركيز على الدور الوطني والقومي في هذه المحطة بعد ذلك، لكنه إذا ظلت حقيقة الإنذار وتأثيره تغيب كلياً ولا تستحضر، وتكون حاضرة للوعي الواقعي السياسي وفي التفكير والتعاطي السياسي مع المتغيرات، فذلك يصبح خطأ ومتراكمة بمثابة الخطيئة.
من الأمور التي لا يلتفت إليها بعد قيام ثورة سبتمبر الولايات من أوائل الدول التي اعترفت ولكنها غايرت شكلياً أو تنصيصاً، فالدول الأخرى كانت تعترف بالثورة والنظام الثوري فيما جاء الاعتراف الأميركي بالنظام الجمهوري وذلك لا يفرق، لأن الجمهورية هي الثورة ولكنه يستحق توقفاً لتتبع قراءات أو أبعاد سياسية.
بعد توقيع اتفاق الصلح مع الملكيين لم نعد نتحدث ربطاً بهذا الاتفاق عن انتصار الثورة وإنما عن انتصار النظام الجمهوري، فهل أميركا اعترفت بأنظمة جمهورية على أساس أن الثورات التي تعرف بها وتعترف هي في المد القادم من الغرب وليس من الشرق كأسلمة وسلمية؟!!..
فالرئيس صالح حين استعمال الحنين للماضي وتفكيكه بالعودة إلى انفصال وإمامية كان يتعامل مع أوضاع مشاكل في الواقع قائمة وأفق قراءاته وتوقعه للقادمة لم يكن بمستطاعه ولا غيره أي إلمام كان بمفاجأة محطة ما تسمى "الثورات السلمية".
الذي جرى في الواقع هو نقد ليس مفاهيم التثوير والثورات أكثر منه تقديس أنظمة أو حكام، كون مثل ذلك تدخل فيه اعتبارات واقعية كتخوف ومجاملة ومصالح ونفاق وغير ذلك، والناس في الواقع يخطئون الاشتراكي أولا كنظام ثم الحاكم القائم أكثر مما يخطئون في الثورة أو الخيار الأممي.
فمسألة الثورة ظلت تقدس بغض النظر عن أيديولوجيتها ومرجعيتها كقومية وأممية وأسلمة، فيما كل حاكم ونظام حتى في ظل نفس الخيار كان يدين وينسف من قبله بما يستطيع حسب طبيعة وواقع التغيير ربطاً بالخلف والسلف، كما عبدالناصر والسادات في مصر أو البكر وصدام في العراق أو المتواتر المتوارث في اليمن.
أحياناً وفي وسائل إعلام النظام في ظل الثورات السلمية الحالية أسمع عن طرح أنها كانت اعتصامات مطالبية صعدت إلى ثورة.
سقف الصواب لهذا الطرح من خرجوا الساحات من أصحاب النوايا الحسنة، فيما هذا الخروج محكوم بسيناريو مسبق ومعد بمواصفات وتوصيف ما تسمى "ثورة سلمية".
خلال أولمبياد اتلانتا 1996م وجد الحاضرون في المدرجات تجهيزات وحاجيات يوجه المعني هؤلاء باستعمالها خطوة خطوة حسب التعليمات، ومثل ذلك بين المشاهد الأهم والأنجح في حفل افتتاح ذلك الأولمبياد.
الاعتصامات في الثورات السلمية هم شركاء أو مشاركون في مشهد فقط من الفعالية أو التفعيل كالمتفرجين داخل استاد لوس انجلوس أو كالمشاركين في حروب أفغانستان تحت يافطة أو مشهد الجهاد الإسلامي ضد الإلحاد.
التقديس الذي مورس بأي قدر للثورات إلى مستوى من القمع جعلنا كأنما نقدس مفهوماً حتى لو ألغينا أو صادرنا الفهم.
ثورات التحرر العربي كما عرفت ارتبطت بالاستعمار أصلاً توافقا مع أفول الغرب القديم كاستعمار وبروز البديل الأميركي.
ومثلما استعملت تلك الثورات التثوير ضد أنظمة وصمتها بالرجعية، فذلك تشريع لطرف للتثوير ضد أنظمة يوصمها بالديكتاتورية.
الشيخ عبدالمجيد الزنداني في ثورة الأسلمة كجهاد في أفغانستان كان تحت التثوير وبين الأثوار، ولكن السمينة وذات الأسنام فيما ترقى حتى الثورات السلمية إلى موجة تثوير وأحد أقطاب الثورة، وحيث منح براءة اختراع مادية كبيرة من حالة جهاد الأفغنة، فهو يمنح براءة اختراع معنوية اعتبارية في ظل الثورات السلمية.
هو يسعى لبراءة اختراع في معالجة الإيدز أو السكر كقيمة مادية أساساً، ويقدم براءات اختراع معنوية اعتبارية، وهي هكذا كحداثة تتوافق مع المحدث فيما هي أصلاً وتأصيلاً كما صكوك الغفران في صراعات القرون الوسطى.
إذا تتبعنا ما تسمى "الثورات السلمية" فزين العابدين بن علي كان الجاهز للهروب حين أي حدث في تونس يهدده أو يستهدفه ولذلك أسبابه نفسياً وواقعياً، فيما برزت إخفاقات الرئيس مبارك في مصر في مدى نزاهة الانتخابات وعدم حضور شعبية مساندة يعتد بها ثم في التعامل الأمن وتفتته المتسارع غير تأثير ما رسم لإخراج القوات المسلحة كموقف معد ومتفق قبل الثورة.
الرئيس مبارك بالطريقة التي سارت بها الأحداث في مصر لم يكن يحتاج القوات المسلحة لقمع المتظاهرين أو حرب ضد إرهاب، ولكنه أيضا لم يكن يحتاج لإعلان وموقف للجيش هو إضعاف كبير ومباشر له ولاحترامه كما هو يحمل إدانة ضمنية بأي قدر.
عندما تقول القوات المسلحة بأنها محايدة أو تحمي الشعب كمعتصمين فليس المهم مدلول أنها ترفض أوامر مبارك بما يعنيه في مفهوم الولاء، ولكن الأهم الذي يصل إلى الناس كوعي واستيعاب كما لو أن الرئيس مبارك كان يريد سحل المعتصمين في ميدان التحرير كما تم في الميدان الأحمر بالصين.
يعزز ذلك الإيحاء التعامل الأمني مع المعتصمين ما بين البداية وموقعة الجمل حتى انتهاء الحدوثة.
أميركا حذرت أنظمة المنطقة من خطر الثورة الإيرانية كأسلمة في التصدير، بما استوجب اصطفاف الأنظمة في حرب ثماني سنوات "العراق - إيران"، فيما المستحيل أن تحذرنا من خطر ثورات الأسلمة الأخرى كجهاد في افغانستان كإرهاب جاء وتحقق، والأكثر استحالة التحذير من الثورات السلمية القادمة القائمة.
إذا كنا نقدس الثورات القادمة من الشرق بعد حدوثها وانتصارها، فثورات الأسلمة والسلمية ببصمات الغرب تكتسب استحقاق التقديس قبل ذلك، بل يفرض هذا التقديس لينصر الثورة وتنتصر مهما خالفت العقل والمنطق والقيم والثوابت والواقع والوقائع، فالذين لا يقدسون مفهوم الثورة وينقادون في مشاهد رعاة البقر يمارس نفيهم وإلغاؤهم ونسفهم وإقصاؤهم حتى لو كانوا يمثلون 90% من الشعب أو النسبة العربية الشهيرة للانتخابات بمشروعية الثورة أو المشروعية الثورية.
إذا الشرق كان يفرض الخيار الأممي على الواقع بدون أي علم أو معرفة وتعريف للشعب، فالغرب يعطي أفضلية وقيمة لهذا الواقع حتى بوضع رعاع وانقياد بقر للرعاة، وهؤلاء الذين قادهم أو انقادوا للجهاد في أفغانستان هم رعاة بقر الشرق أو الرعاع في الشرق.
فمنطق الغرب هو أن المسرحة السلمية هي تطور نوعي وكافٍ مقابل زحف التوحيد شيوعياً بالقوة أو زواحف الجهاد في أفغانستان.
ولهذا فهو يضع كل واقع بين خياري رعاع وبقر تقاد وتنقاد بالرعاة وبين الشرعية الثورية كما عرفناها أو تعرفنا عليها في الثورات القومية والأممية والأسلمة، والأفضلية بين الخيارين هي أفضلية قبول إذعان أو عبودية واستعباد "مودرن" والمسمى "ثورة سلمية".
حين يتطور أي واقع ديمقراطياً إلى بديل ديمقراطي، أو حين يقبل نظام ببديل ديمقراطي بدون تأبيد ولا توريث وانتخابات مبكرة بإشراف دولي، فالشرعية الثورية تنتفي بالانتفاء في الواقع والواقعية.
لم يعد الرحيل هو المشكلة في اليمن بما قبل به النظام والتزم كطرف في الواقع، وإنما في البديل، النظام كطرف قدم تنازلات تصل إلى الرحيل عبر انتخابات مبكرة كما في الغرب بلا تأبيد ولا توريث في ظل غالبية شعبية مطلقة، تصطف مع هذه الخيارات الواقعية والسلمية كاصطفاف من أجل الواقع ومن خلال الطرف الأكثر وعيا وواقعية.
ثورة "المشترك" ومشترك الثورة بأقلية شعبية يستحيل وصولها إلى 22% يريد إقصاء النظام وإحلال من يريد كنظام كاحتكار للرحيل والبديل، وهو إقصاء وقسر على أغلبية شعبية مطلقة رافضة بكل قوة لهذا الإذلال، مهما اضطرها الحد الأدنى من كرامتها واعتباريتها من مواجهة.
ما مورس من محاكمة وتصفية صدام حسين وحدوثة القبض القهري على البشير وملاحقة بن علي أو محاكمته لم يكن في إطار حقائق واستحقاقات وقائع ووقائع وإنما هدفه الأساسي ترهيب الأنظمة إلى مستوى الإرهاب لتمارس الخنوع وتترك واقعاً في اضطرار أو خنوع لشمولية ما تسمى الشرعية الثورية قادمة من الغرب بأية لغات أو بصمات، وهي تمارس إذلال الواقع والشعوب بأسوأ بكثير من المباشرة في شموليات الشرق.
الغالبية المطلقة من أبناء الشعب اليمني لو كانت تستطيع الوصول إلى ساحة الأمم المتحدة بنيويورك لذهبت لتعتصم ومطلبها فقط البديل الديمقراطي عبر صناديق الانتخابات، فهل ستصدق حينها الأرقام بالجوازات و "الفيزا" وعبور المطارات أم تصدق فضائيات التهريج والبهرجة في الأدوار الممسرحة؟!!.. ربما كل هذه الأحداث تؤسس لاستحقاق الفهم وتقديس مفاهيم!.