لا أحد يقبل بالورم؛ لكن عندما يُخبرك الطبيب أن عندك ورم “حميد” من المؤكد أن معنوياتك سوف ترتفع مجدّداً مادام أن الورم ليس خبيثاً، وينطبق الأمر تماماً على الحروب والصراعات والمواجهات التي شبعها هذا الوطن واكتوى بنارها على الدوام، وهي بكل تأكيد حروب ومواجهات وصراعات خبيثة, باستثناء تلك الصراعات التي يكون من شأنها كسر شوكة مراكز قوى عاثت في الأرض فساداً، وما كان للدولة أن تفعل أمامها شيئاً لولا أن الله قيّض لها طرفاً آخر مناوئاً لها, وهذه هي الحروب الحميدة التي يرتاح لها الشارع والمواطن البسيط.
لم أنطلق في هذا الاستهلال من منطلق عداء لطرف أو دفاع عن طرف، وإنما نقلت مشاعر أغلب اليمنيين الذين هم بطبيعة الحال لا يقبلون باستعبادهم لا باسم الكهنوت ولا باسم السلالة والمذهب ولا باسم داعي القبيلة.
ومرّة أخرى أؤكد أنه ليس في هذا الطرح دعوة لقرع طبول الحرب، ولكن هي دعوة للإجابة عن سؤال: لماذا يشعر الناس بالرضا عندما تنكسر شوكة طرف أو مركز نفوذ وهيمنة, هل هو حقد وكراهية وحسد على جاه ومال هؤلاء أو أولئك..؟!.
بكل تأكيد أن هذه الملايين من اليمنيين البسطاء والمسحوقين لا يمكنهم أن يلتقوا على شعور بالرضا لانكسار شوكة مركز أو مراكز قوى إلا لكون هذا الطرف أو المركز طالما كسر شوكة الناس وأذاقهم الهوان والإذلال، وحرمهم من أن يطالوا حُلم الحرية والعدالة والمساواة.
هؤلاء المسحوقون لا يمكنهم أن يدافعوا عن طرف أو مركز نفوذ كانوا قبل خمسة عقود في خندق واحد معه ضد سُلطة الكهنوت والاستبداد السلالي والعنصري؛ غير أنه خلال خمسة عقود كان قد تنصّل من التزام إقامة نظام جمهوري عادل يزيل الفوارق والامتيازات بين الطبقات ليحل هو محل النظام الكهنوتي المستبد ويحصل على ذات الامتيازات في الحكم والنفوذ والثروة، وظهر أكثر سوءاً حين تعدّت مصادر تمويله وخيراته حدود الوطن.
سألت البعض من هؤلاء البسطاء: كيف تتشفّون في طرف هتف معكم: «سلمية ..سلمية» وتعهّد بالعمل من أجل إقامة دولة مدنية، وفوق ذلك هو يعتبر نفسه خط الدفاع الأول في مواجهة خطر تمدُّد جماعة مذهبية يتهمها البعض بتلقّي الدعم من دولة إقليمية..؟!.
فكان ردّهم: البعض رفع شعار «سلمية» من أجل أن يقدّم نفسه كثائر ومناضل ويركب موجة التغيير والربيع اليمني هروباً إلى الأمام؛ مع أنه في حقيقة الأمر جزء؛ بل جزء أكبر من فساد العهد السابق، وهو عبر الاستقواء بالسلاح غير المشروع وبالمال غير المشروع الذي يأتي من هناك وهناك سيظلُّ حجر عثرة أمام طموح العهد الجديد في إقامة دولة مدنية ودولة مؤسسات ونظام وقانون وحرية وعدالة ومساواة.
نتفق جميعاً على رفض عودة عقارب الساعة إلى الوراء وزمن الاستعباد السلالي والعنصري باسم المذهب أو «الآل» وفي المقابل نرفض أي تبرير أو دفاع عن مركز قوى غارق في الفساد والظلم وانتهاك الحقوق، ولطالما كان يسوّق نفسه باسم الثورة وهو من أجهض الأولى واختزل خيرها في محيطه العائلي الضيّق؛ والآن يختزل الثورة الثانية في كيانه المصلحي العائلي الضيّق..!!.