ليس معروفاًَ ولا مفهوماًَ لكل ذي عقل وإرادة وطنية حريصة على الديمقراطية ولكل ذي مصداقية وموضوعية معززة للوحدة والثقة والشراكة في المسؤولية الوطنية أن يعرف ويعلم الأسباب الحقيقية التي أدت وتؤدي بالمعارضة المنضوية في أحزاب اللقاء المشترك إلى الاختلاف مع الحزب الحاكم وأحزاب التحالف الوطني القريبة منه..
طالما وقد قبل بكل ما أبدته من الشروط التعجيزية الصعبة سواء حول الموضوعات الحوارية أم حول نسبة التمثيل في اللجنة الحوارية على قاعدة المساواة والمناصفة دون اعتبار للأغلبية والأقلية اللازمة والملزمة؛ رغم قدرته على تعديل الدستور والقوانين النافذة عبر المؤسسات الدستورية دون حاجة إلى أحزاب الأقلية البرلمانية بحكم ما لديه من الأغلبية البرلمانية الساحقة.
من الواضح ومن المؤكد أن أحزاب اللقاء المشترك تقع في خطأ الخلط بين الطموح وبين الطمع، وهي تحاول استغلال الظروف الطارئة غير الطبيعية لتغليب الطمع اللا مسئول على الطموح المعقول، واتخاذهما نشاطاً للاستقواء بها على إملاء شروطها اللا مسئولة واللا مقبولة على صاحب الأغلبية في سابقة سياسية خطيرة تتنافى مع الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة في أبسط صورها الليبرالية المتداولة والمعمول بها في كل المعايير الدولية على نحو لا وجود فيه لهذا النوع من الإصلاحات والحوارات الإملائية الشمولية والدكتاتورية التي تسمح للأقلية بإملاء شروطها على صاحب الأغلبية بإرادة حزبية متناقضة مع الإرادة الشعبية صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة على قاعدة (حبتي وإلا الديك) على مطلب إذا لم أحصل على ما أريد من الصفقات السياسية سوف أقاطع الانتخابات.
وشتان بين المطالب الموضوعية النابعة من الحرص على حرية ونزاهة وشفافية العملية الديمقراطية وبين المطالب التعجيزية التي تفترض اليوم والآن إلغاء ما قبلها من المؤسسات والمرجعيات الدستورية والقانونية النافذة التي اكتسبت بالأمس وقبل الآن التي تعيد التجربة الديمقراطية الناشئة إلى مربع الشمولية وتلغي ما هو كائن تحت مبرر ما يجب أن يكون، دون استعداد للتداول السلمي للسلطة والقبول بسلطة المعارضة.
لأن الأصل من وجهة نظر هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية أن تكون حاكمة بقوة الشعب أو بقوة ما لديها من السلاح المعطل للديمقراطية، أما أن تكون في المعارضة؛ فذلك هو المستحيل الذي تستمد منه المشروعية في تعطيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وزج البلد والمجتمع في سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المفتعلة القاتلة للحياة والحرية.
إن الهدف من اللجوء إلى مثل هذه الأساليب الفوضوية المعطلة للديمقراطية معاقبة الشعب ممثلاً بهيئته الناخبة التي وضعت الثقة بغيره من الفاسدين، وأحجمت عن إعطائه ما كان يتطلع إليه من الثقة باعتباره المُصلح الوحيد في معادلة مقلوبة معكوسة وغير مفهومة بكل القوانين والقواميس الديمقراطية المتداولة في العالم.
لأن الديمقراطية بمعناها العلمي اليوناني القديم هي (حكم الشعب بالشعب) أي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عن طريق حرية وحق الانتخاب وحق الترشح لكل الذين بلغوا السن القانونية باعتبار المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات؛ لا يوجد بينهم أي نوع من أنواع التفضيل والتمييز الذي يجعل الدرجات الأولى لمواطنة أقلية النخبة والصفوة؛ ويجعل الدرجة الثانية للمواطنة العامة والأغلبية العادية من أبناء الشعب والوطن والشعب الواحد.
أقول ذلك وأقصد به أن حزب الأغلبية الذي وضع الشعب ثقته فيه لتحمل المسؤولية خلال دورة انتخابية معينة ومحددة رئاسية كانت أو برلمانية أو محلية ليس من حقه المضي قدماًَ في تقديم التنازلات اللا ديمقراطية للأقلية إلى الحد الذي يخضع إرادة الأغلبية الشعبية لإرادة الأقلية الحزبية.
فذلك لا يتفق مع قوانين العدالة والمساواة بأي حال من الأحوال الدستورية والقانونية المستمدة من العقل ومن الشرع؛ نظراً لما ينطوي عليه من عواقب كارثية وخيمة تفقد الدولة الديمقراطية هيبتها، وتدفع القوى الإرهابية والفوضوية واللا ديمقراطية إلى زج الوطن والشعب في سلسلة من الأزمات المفتعلة التي تفقد الديمقراطية معانيها العظيمة.
لأن الدولة الديمقراطية أقوى وأقدر من الدولة الدكتاتورية على تطبيق ما هو نافذ ومهاب من المرجعيات والمنظومات والمقدسات الدستورية والقانونية التي تتموضع في قدسيتها الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الوحيد للتشريع.
وأي تهاون في هذه المقدسات المنظمة للحق والواجب يفتح الباب أمام المتطفلين على الديمقراطية والحرية للنيل من الثوابت والمقدسات الوطنية والقومية والدينية؛ ويفقد الدولة هيبتها وقدرتها على حماية أمن الوطن والشعب واستقراره وسيادته وسلامه الاجتماعي ورفاهيته الاقتصادية والاجتماعية وتنميته الثقافية بصورة تؤدي إلى سلسلة من الكوارث والعواقب الغابية الوخيمة التي تتضرر منها الأغلبية والأقلية، الوطن والمواطن بصورة تغضب الله في السماء والإنسانية في الأرض.
إن القوى الحزبية والسياسية التي تمارس هذا النوع من الانتقائية الدامية والمدمرة للحياة وللحرية وللأمن وللاستقرار والسيادة والسلام الاجتماعي والتنمية تتخذ لنفسها مواقف مزاجية مرتجلة تضعها بوعي ودون وعي وبقصد ودون قصد في موقف العداء للوطن والشعب مهما تظاهرت بالحرص عليهما في مجمل ما يصدر عنها من الأقوال والأفعال السياسية المزركشة والمزخرفة الطاهرة والقبيحة والذميمة؛ لا تتفق مع الأبجديات الوطنية والديمقراطية الناضجة والناشئة.
ومعنى ذلك أن المسئولية الوطنية تقع على كاهل صاحب الأغلبية من خلال ما لديه من المؤسسات الدستورية دون حاجة إلى تشريع القوانين وتعديلها وتنفيذها إلى إضعاف الدولة والإفراط في تدليل الأقلية إلى حد التفريط في تقديم التنازلات اللا معقولة واللا مقبولة.
لأن الديمقراطية أغلبية تحكم وأقلية تعارض عبر تداول السلطة بشرعية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة لا مجال فيها لهذا النوع من الحوارات والمراضاة السفسطائية الباحثة عن أطماع سياسية بأساليب ووسائل غير ديمقراطية لا تتورع عن الإتجار بهموم الشعب ودمائه وأرواحه وثوابته الوطنية والقومية والإسلامية المقدسة التي لها بداية وليست لها نهاية تستحق الاستسلام والاستكانة لهذا النوع من الحوارات المرتجلة التي تفصّل الدساتير والقوانين على ما لديها من الأطماع والطموحات السياسية المفتوحة والمفروضة على الشعب بهذا النوع من المراهقات الصبيانية المجنونة.
لأن الطموح الذي يتجاوز حدوده المعقولة والمقبولة يتحول في غياب المسئولية والمصداقية إلى طمع بلا قيود ولا حدود ولا شرعية هو أقرب إلى الهلاك المدمر للحياة والحرية والتنمية منه إلى البناء المطور للحياة والحرية والحق والعدل والتنمية.