أعتقد أن شعبنا تجرع من الويلات في تاريخه البعيد والقريب ما يكفي، وأن الجرع المختلفة سياسياً واقتصادياً التي تلقاها كانت كافية لتحمله إلى القبر، لكن صبره وصلابته وقدرته الفائقة على التحمل هي التي حفظته إلى هذا الحين. أعلم، كما يعلم كل مواطن مدرك للظروف الراهنة المحيطة بالبلاد وما تعانيه من أزمة اقتصادية طاحنة، لكنها مهما قست واشتدت لا تستدعي إلى أن يتجرع المواطنون مزيداً من الأعباء لاسيما الفقراء وأولئك الذين كانوا يشكلون الطبقة الوسطى فأصبحوا نتيجة تصاعد الأزمة وغياب التخطيط من ضمن الطبقة الدنيا. وإذا كان دعم المشتقات النفطية يعود في معظمه إلى الأغنياء وأصحاب رؤوس المال كما يقول فلاسفة الجرع فإن هناك وسائل لمنع هؤلاء من الاستفادة مما هو خاص بالمستويات الشعبية، وفي الدولة مختصون يعرفون كيف يواجهون مثل هذه الأمور بما تراكم لديهم من خبرات وما يعرفونه عن حالات مماثلة لدول لا تختلف أوضاعها عن أوضاعنا.
أقول "كفاية جرع" ويكفي ما يجرعنا المانحون من وعود كاذبة، ومن أحاديث حول مبالغ خيالية على الورق. لقد مرت على البلاد عشرة أعوام وهي تتجرع وعوداً مصحوبة بمجموعة من الجرع الحقيقية تشمل كثيراً من المواد الضرورية كالديزل مثلاً هذه المادة الضرورية التي وصل أثر الارتفاع بأثمانها إلى كل بيت، فالمزارع الذي يعتمد عليها في استخراج المياه من الآبار ليس أمامه سوى طريقتين إما أن يترك العمل بالزراعة ويلتحق بزمرة العاطلين في المدينة أو يرفع أسعار ما ينتجه ليغطي الثمن المرتفع للديزل. كما أن صاحب "وايت الماء" الذي كان يبيعه بألفي ريال يجد نفسه مدفوعاً إلى رفع السعر من ألفي ريال إلى ستة آلاف ريال وإلى أربعة آلاف إن كان قنوعاً. ومن هنا فإن رفع أثمان بعض المواد الضرورية لا يتحمل فارق السعر الجديد سوى المواطن محدود الدخل هذا الذي ازدادت معاناته في السنوات الأخيرة ووصلت حداً لا يطاق.
ولا تفوتني هنا الإشارة إلى أن بعض رجال الدولة يقولون إن رفع الدعم عن المشتقات النفطية أصبح ضرورة لابد منها وإلا فسوف نجد أنفسنا غير قادرين على دفع رواتب الموظفين الذين يشكلون ثلث سكان الجمهورية، وبالمقابل فإن هناك آخرين من رجال الدولة أيضاً يقولون إن هناك مجالات أخرى لو اهتمت الدولة باستغلالها لما احتاجت إلى الجرع وهناك موارد مهملة قصداً وتغاضياً وهي كفيلة بأن تغطي الدعم وتفيض، وأن التبذير مستمر والإنفاق الخاطئ والتوسع في الوزارات والسفارات والصمت على ما يتم إنفاقه في المظاهر من شأن التحكم فيها جميعاً أن يضاعف الميزانية ويتيح الفرصة لبناء مشاريع تطوير وتعمير تحد من البطالة وتوفر مزيداً من الوظائف للخريجين الذين طال عليهم الأمد بعد تخرجهم من الجامعات وهم يتسولون على أبواب الوزارات والمؤسسات التي تعاني من الاكتظاظ والتكدس بالموظفين الذين لا أعمال لهم.
وليس بعيداً عن الموضوع، وقد يكون في صميم الحلول الرامية إلى إيقاف الجرع أن تسارع الدولة إلى استخدام الطاقة المتجددة في الإنارة والشروع الفوري في مد شبكة واسعة في المدن والأرياف لتنفيذ هذا المشروع مهما كانت التكاليف المؤقتة لأنها سوف تساعد في النهاية على توفير أكبر كم من الديزل وغيره من المشتقات النفطية، إضافة إلى قطع دابر الإطفاءات الكهربائية وتبديد مبالغ هائلة من المال العام في غير مكانها الطبيعي. وفي بعض الوزارات وبعض المؤسسات دراسات علمية جاهزة لا ينقصها سوى وضعها موضع التنفيذ. واعتقد أنه خلال عامين أو ثلاثة أعوام من البدء في تحقيق هذا المشروع ستكون البلاد قد حدّت من المصروفات التي تجهض الاقتصاد ويكون جزء كبير من مشكلة الكهرباء قد أنزاح وأقفلت خزينة الدولة حنفيات التبديد ومواسير استغراق المليارات وجزء منها يذهب إلى بطون المؤلفة قلوبهم ومن يتولون الإشراف على قطع خطوط التيار الكهربائي.
الشاعر عماد زيد في روايته الأولى:
بدأت الروايات المكتوبة بأقلام المبدعين اليمنيين تتوالى في الصدور وتأخذ مكانها ومكانتها لدى القارئ المحلي والعربي. ومن أحدث ما قرأته رواية (زهرة الجردس) للشاعر الشاب عماد زيد، وهي رواية بديعة تتناول بشكل فني رفيع واحدة من أهم قضايانا الراهنة من منطلق فضح الاخطاء والخطايا والارتقاء بالوعي الوطني إلى مستوى الإحساس بمخاطر الانتماءات التي تفرق بين أبناء الشعب الواحد. والرواية صادرة عن منتدى مجاز الأدبي الثقافي وتقع في 246 صفحة من القطع الصغير.
تأملات شعرية:
"لا جرعةَ بعدَ اليومْ"
شعارٌ مكتوبٌ بدم الفقراء
ومنشورٌ في الساحاتِ
وفي الطرقاتِ
لتقرأه عينُ الأعمى
عن أحلام الشعب المحروم.
"لا جرعةَ بعدَ اليومْ"
أفيقوا.. طفح الكيل
وهبّ الشعب المظلومْ.