الدستور والقانون هما المرجعية العليا في البلاد التي يرتضيها الجميع، ويتعاهد على تنفيذها والالتزام بأوامرها، والانتهاء عند نواهيها الملزمة وغير القابلة للتنازل أو التجزئة أو النقصان أو الزيادة أو التخاذل، لأنها تمثّل السيادة المطلقة للإرادة الشعبية التي ضمنت السيادة السياسية والسيادة الشعبية، وأصبحت سيادة قانونية ملزمة للكافة دون استثناء تسود الدولة بكل مكوّناتها الجغرافية والبشرية وتحمي كيان المجتمع وتمنع التمرُّد والعدوان وتعزّز الوحدة الوطنية وتصون السلم الاجتماعي وتقوّي النسيج الاجتماعي والسياسي وتمنح شرعية التصرُّف والحركة وتحميه.
إن الدستور والقانون بمثابة الخلاصة الراشدة للعقل الجمعي الذي يتوق إلى وحدة المجتمع وسلامة كيانه وقوة تصرُّفه المشروع الذي يحقّق الإرادة الكلية للمجتمع.
ومن هنا جاء اهتمام الباحثين السياسيين الدستوريين بالدساتير، وجاء التفكير العملي في الدساتير من خلال تجارب الحياة ونشوء الدول، فلو عُدنا إلى الحضارة اليمنية التي نشأت قبل ثلاثة آلاف عام من ميلاد المسيح ـ عليه السلام ـ لوجدنا أن الامبراطوريات اليمنية القديمة قد سجّلت سبقاً دستورياً كان بمثابة المرجعية لكل الحضارات التي عاصرت الامبراطورية المعينية والسبئية والحميرية، وكان تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتوزيع الاختصاصات وتحديد المسؤوليات من أبرز ملامح الدساتير اليمنية في الامبراطوريات اليمنية القديمة.
إن الدستور والقانون ليسا وليدي اللحظة الراهنة؛ ولكنهما وليدا الحياة المتطوّرة والمتجدّدة، وقد أشرت في دراسات أكاديمية منهجية إلى نشوء الدولة والديمقراطية في اليمن والوصول إلى العقد السياسي الذي تنشأ الدولة بموجبه، وهذا قد سبق أفكار العصر الحديث لـ«جان جاك روسو وجوند لوك وهوير» الذين قانوا بالعقد الاجتماعي.
وهنا ينبغي على اليمنيين دراسة تاريخهم باعتباره مدرسة متميّزة في الرُشد الدستوري والقانوني الذي يقودهم إلى صياغة الدستور الجديد بإذن الله.