من الخطورة استمرار تراجع احتياطي النقد الأجنبي في اليمن، وبحسب البنك المركزي فإن احتياطي النقد الأجنبي فقد نحو 975 مليون دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري نتيجة تعرُّض خطوط أنابيب النفط للتفجيرات المتتالية.
الوضع كارثي إذاً، فهل نستوعب خطورته على المستقبل في حال عدم وجود سياسات ناجعة تدحر الخطر..؟!. هذا يعني أننا تجاوزنا الحد الآمن في الاحتياطي، كما يعني أن التأزيم السياسي الذي تقوم به أطراف عديدة معرقلة صاحب يد طولى في الأمر.
يتطلّب الأمر في المقام الأول سياسة نقدية نابهة بالتأكيد حتى تستطيع الدولة الوفاء بالتزاماتها، وبحسب المؤشرات؛ فإن احتمالية تراجع سعر الريال قائمة مالم تتم التغطية؛ على أن جرائم تفجير خطوط الأنابيب المتزايدة يجب أن تُقابل بحزم شديد من الدولة لا مهادنة فيه.
من المعروف أن مشكلة الحكومات المتعاقبة هي عدم تنوّع الموارد بحيث تعتمد على نسبة كبيرة في تغطية موازنتها على موارد النفط، لكن انخفاض كمية الإنتاج خلال الشهور الأخيرة بفعل توالي الأعمال التخريبية التي تطال أنابيب النقل؛ أجبر الحكومة على الاستيراد من الخارج وخسّر الاحتياطي النقدي ذلك الرقم المقلق.
الرئيس هادي كان قد اعترف خلال كلمة رسمية أن «الموازنة تواجه عجزاً في الموارد وجزءاً كبيراً منها يذهب في دعم المشتقّات، كاشفاً أن الإيرادات ليست بالكفاءة المطلوبة».
وإلى جانب العجز في الموازنة وتراجع احتياط النقد الأجنبي تواجه البلاد ارتفاع الدين العام وانخفاض الإيرادات وتباطؤ وصول مساعدات المانحين إضافة إلى ارتفاع فاتورة الحرب على الإرهاب.
الحاصل هو أن الحكومة تعاني عدم وجود كفاءة فعّالة في الإدارة العامة؛ إضافة إلى تمادي التبذير والتهرُّب الضريبي وتهريب المشتقات مع ازدهار تجار السوق السوداء النافذين الذين لم تممسهم إجراءات عقابية طوال السنوات الماضية رغم تعاقب الحكومات..!!.
في الحقيقة يكمن التهديد الدائم الذي تعانيه بلادنا في اعتمادها على قطاع النفط بدلاً عن رعاية القطاعات الأخرى الواعدة السمكية والزراعية خصوصاً.
ثم إن اليمن المُثخن بالفساد لايزال بلا آلية ناجعة لمكافحته؛ وإذ تتعرّض لضغوطات من صندوق النقد لرفع الدعم وإجراء إصلاحات؛ تحتاج الحكومة إلى تقليص النفقات المسبّبة للإهدار ومكافحة الفساد كما ينبغي، من الواضح أن منظومة السياسات القديمة لاتزال مسيطرة ومعرقلة عن أداء أي إجراء جيد ومشجع.
وفي وقت سابق كان رئيس مصلحة الضرائب قد قال إن التهرُّب الضريبي يصل إلى تريليون ريال، كما كشف وزير المالية أن نحو 30 % من إجمالي الاستهلاك المحلّي للوقود يتم تهريبه إلى دول في شرق أفريقيا واستفادة المهرّبين من فوارق الأسعار؛ يزيد الطين بلة بالطبع إطلاق العنان لتجّار السوق السوداء في الداخل دون أية مكافحة ينتظرها المواطنون..!!.
باختصار.. تحتاج الإصلاحات الاقتصادية والمالية في اليمن إلى إصلاحات سياسية لا شك، ويمكن الخلوص إلى أن اليمنيين يقعون بين سوء الأداء الحكومي والبرلماني وازدهار المكايدات السياسية ـ للأسف.
نحتاج إلى إرادة لا تهتز في الإشارة غير المرتجفة إلى صانعي الخراب وعصاباته في هذه البلاد؛ لكأن «القاعدة» و«الحوثيين» الذين يتحرّكون على نحو متقن بشكل يعمل على تأزيم المشهد أكثر من الذين ينهكون الدولة بما لا تُحتمل أيضاً.
والأخطر من عصابات ضرب أبراج الكهرباء هي عصابات الفساد داخل الدولة وخارجها؛ فضلاً عن عصابات ضرب أنابيب خطوط النفط التي يجب أن تصنّف جرائمها كجرائم ما فوق إرهابية.
fathi_nasr@hotmail.com