جاء أحّدهم باحثاً عن المتصوّف الشاطح والمتحدّث الناطح أبي يزيد البسطامي، فدقّ الباب على كوخه الصغير، فقال البسطامي من وراء الباب: عمّن تبحث..؟!، فردّ الطارق: عن أبي يزيد، فردّ أبويزيد قائلاً: حتى أنا أبحث عنه منذ عشرين عاماً..!!.
في هذه اللطيفة العديد من المعاني التي يقصدها أبو يزيد، فهو يعرف ذاته ولا يعرف ذاته أيضاً؛ ذلك أن المخلوق في تقلّباته وتحوّلاته يتجاوز حدود فهمه لذاته، فكيف للآخرين أن يعرفوه..؟!.
الإشارة التالية تتعلّق بالذات المحسوبة ضمناً على هامش الذات غير المدركة وغير المرئية، وهو أمر أدركه علماء النفس الباحثون عن أغوار النفس البشرية الملموسة في تضاريس الغيوب والماورائيات، وهذا ما فعله الإمام العلامة محمد بن محمد حامد الغزالي في مقاربته الشيّقة بعنوان «كيمياء السعادة» ناظراً إلى تلك الكيمياء من خلال تحفيز العناصر الرحمانية في الذات البشرية، واستبعاد العناصر الشيطانية من خلال الدربة وتهذيب النفس وحُسن الخُلق، وقد لاحظ الغزالي أن الصفات الطيبة والصفات الخبيثة في الذات البشرية تتنافسان وتتقاطعان داخل الوعاء الآدمي الذي يخضع في نهاية المطاف إلى هذه المنظومة أو تلك من الصفات.
كان أبويزيد باحثاً دائماً عن ذاته الغائبة، وفي المقابل كان الحلّاج البواح مستغرباً من ذاته الغائبة، الحاملة لهيئة جسمه وتكوين جسده المحدود، قال الحلاج:
عجبت لبعضي كيف يحمله كُلّي
ومن ثقل بعضي ليس تحملني أرضي
وفي أفق آخر كان سقراط الحكيم لا يُدرك أبعاد معارفه وموسوعيتها إلا عبر الآخرين، فقد دأب على التساؤل حول ما يعرف وما لا يعرف، وكان أبعد الناس هرفاً، وأكثرهم انعتاقاً من الادعاء.
فتأمّل عزيزي القارئ.
Omaraziz105@gmail.com