بشكل عام؛ يبدو واضحاً أن المشهد السياسي اليمني يعاني إشكاليات بنيوية عديدة تؤثر في مساره العام وأولوياته الوطنية، بينما تتداخل فيها عوامل مناطقية وطائفية وقبلية أيضاً.
والمعنى أن عديد تحولات تزيد المشهد ارتباكاً وتعقيداً خصوصاً بعد دخول الحوثيين إلى محافظة عمران، بينما لا ننسى في هذا السياق بروز دعوات من قياديين في حزب الإصلاح للتقارب والمصالحة الوطنية مع حزب المؤتمر الشعبي كمفاجئة حادة، فضلاً عن انكشاف تصدعات بين الحزبين الكبيرين في اللقاء المشترك “الإصلاح والاشتراكي”.
والثابت أن جملة تحديات ومصاعب جسيمة تعانيها اليمن حالياً أبرزها غياب الدولة بسبب تسيد وهيمنة القوى المتنفذة والمعيقة، إضافة إلى خواء الحالة السياسية برمتها، وأيضاً عدم الاستفادة من الدعم والقبول الشعبي والدولي الواسعين لفرض روح الدولة على الجميع كما ينبغي.. وسط هذه التباينات يعاني الشعب اليمني من عدم مسئولية النخب السياسية التي تتمترس وراء مصالحها أو سوء تقديراتها للأوضاع في ظل مخاوف من استمرار تجريف الدولة وتغوّل منطق الميليشيات على السياسة.
والأسوأ أن استراتيجية جماعة الحوثيين كما يبدو واضحاً تقوم على الاستخفاف بالسياسة والاعتماد على الغلبة رامية بثقلها على التمددات المحكومة بالمال والسلاح والتحشيد الطائفي، إلى جانب استغلال صراع الأضداد السياسيين لصالحها، بالذات الخلافات بين اطراف الحكومة جراء التحاصص والمقاسمة واتهامات الفساد وعدم تحمل المسئولية.. الخ.
على أن واقع الحال يقودنا إلى أن الجميع في مأزق ما يستدعي عدم استخفاف هيئات الدولة أكثر “وحتى من يعتقد أنه الأقوى فإنه الأكثر وقوعاً في الاختبار الكبير”، كما ما يقودنا الحال إلى أن التناقضات في أوج احتداماتها والتباساتها بالمقابل، فهل يمكن إدارتها على النحو الوطني الأنجع الذي يمكن اليمن من مستقبل آمن ومزدهر وخلاق؟.
بشكل خاص يمكن الخلوص إلى أن المشهد يعيش تحولات استثنائية من المرجح أن تقود إلى تحالفات جديدة، أو إلى تصحيح التحالفات السياسية السابقة.
لكن في الحالتين يجب أن تفضي الأمور بكامل المسؤولية إلى إعلاء شأن الدولة وعدم التماهي في فخ ما ثار اليمنيون ضده من قيم ورؤى ومفاهيم ما قبل وطنية وما قبل تمدنية وما قبل مواطناتية.
هذا ما يفترض لمواجهة الانهيارات التي تتوالى على أكثر من صعيد وأخطرها الانهيار السياسي الذي لا يفضي سوى إلى تفكك الدولة مزيداً للأسف.
fathi_nasr@hotmail.com