مع حلول شهر رمضان من كل عام؛ يستذكر الاسرائيليون لحظات الهزيمة فيحسّون بمرارة الجرح ووصمة العار التي تلاحقهم في دواخل أنفسهم؛ وذلك بالنظر إلى أن هذا الشهر الكريم حمل معه الانتصار العظيم في العاشر من رمضان عام 1973م، حيث تمكّنت القوات المصرية من اجتياح خط «بارليف» المنيع وتحرير القناة وعبور سيناء في ملحمة بطولية تاريخية كسرت مفاهيم الجيش الذي لا يُهزم..!!.
لقد أصبح حلول رمضان الفضيل بالنسبة للاسرائيليين بمثابة عُقدة تذكّرهم بالمعجزة التي صنعها العرب على جبهات القتال في مصر وسوريا والأردن، وشاركت فيها قوات من مختلف الأقطار العربية، وحشد لها الملوك والزعماء العرب كل الإمكانات في تلك المعركة العادلة بامتياز بما في ذلك سلاح النفط الذي استخدم لأول وآخر مرة في النزاع العربي ـ الاسرائيلي منذ زُرعت هذه الدولة العنصرية على أرض فلسطين وحتى اليوم.
وتبعاً لذلك فليس غريباً أن تثأر الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من العرب والفلسطينيين تحديداً لتلك الهزيمة التي وضعت حدّاً لأسطورة جيش الاحتلال، وهي التي أعادت إلى العرب كرامتهم وجانباً من حقوقهم المغتصبة.
نقول إن ذلك ليس غريباً على اسرائيل خاصة وهي تواصل عدوانها الآثم في هذا الشهر الفضيل؛ وذلك في محاولة يائسة للتخفيف من عُقدتها التاريخية التي حلّت بها جرّاء الانتصار العربي العظيم عام 1973م.
وفي سياق هذه القراءة؛ ليس غريباً أن يختار ساسة الكيان الصهيوني اجتياح العاصمة اللبنانية بيروت في رمضان 1982وطرد الفصائل الفسلطينية من بيروت إلى أرض الشتات في تونس وسوريا واليمن وليبيا وغيرها؛ وذلك في محاولة أيضاً لتغييب الذاكرة الجمعية للعرب وتعميم فكرة التميُّز والتفوق الاسرائيلي على مستوى دول المنطقة ككل.
ومن الطبيعي أن تعيد اسرائيل إنتاج نموذج العدوان وتحديداً خلال رمضان لشن عدوانها المستمر على أكثر من رقعة عربية بما فيها الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع والجنوب اللبناني، فضلاً عن تلك المغامرات لضرب أهداف داخل تونس وسوريا والسودان والعراق وغيرها.
وهاهي الحرب العدوانية على غزّة تبيح دماء الفلسطينيين في القطاع وتخلّف مئات القتلى وآلاف الجرحى خلال رمضان الجاري تحت سمع وبصر العالم المتحضّر دون أن يرف جفن الأسرة الأممية تجاه هذه الجرائم الشنعاء..!!.
إن هذه الجرائم الاسرائيلية تدلّل على صدقية تلك العُقدة المزمنة، حيث وصلت حالة الهيستيريا بالقوات الاسرائيلية إلى ارتكاب مجازر يندى لها جبين الإنسانية؛ وذلك في محاولة مستميتة ودائمة ـ ليس لكسر عظام الفلسطنيين فحسب ـ وإنما لطمس ما تبقّى عالقاً في ذاكرة العرب من انتصار رمضان عام 1973م.
ومع الأسف الشديد فإن العرب الذين اجترحوا تلك البطولة يجلس بعضهم القرفصاء يندبون حظّهم العاثر ويكيلون السباب ضد أمريكا، وبعضهم الآخر يدير معارك عبثية لا صلة لها بالإسلام في شيء، متناسين قوله سبحانه وتعالى: «إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم».