إما أن يهيمن الصوت الجديد عبر «الطريق الثالث» - قيمياً وتأثيرياً بتطلُّعاته الواقعية - وإما أن يفضي للأسف إلى الإقرار والتسليم بالطريق الأول أو الثاني، بينما تلك هي المكيدة التي ستفقدنا آخر شعاع.
أعني أن المسؤولية كبيرة ويجب أن تكون أنضج، التسرُّع والتشويش سيفقد الفكرة بريقها ويودي بالأمل القليل الذي تبقّى، والتوازن هو المطلوب بشدّة، التوازن والعقلنة وسعة الأفق الذي لا يرضخ إلى التحيّزات ويعتمد على استراتيجية سياسية أكثر حداثة في التعامل مع الواقع ومعطياته شديدة التعقيد، التوازن الوطني الذي سيحرج كل الأطراف ذات المشاريع الرثّة وطنياً.
فقط، قليل من إعادة الاعتبار إلى الواقعية يكفي كي ينبغي للطريق الثالث أن يغيّر المشهد لصالحه، وتلك مهمّة لا أعسر منها في واقع كاليمن.
أسوق ما سبق على إثر ما يتشكّل في الساحة السياسية اليمنية حالياً من تحالف شبابي عريض كتيار وطني لملء القصور الذي خلّفه الواقع السياسي المتدهور الذي يخلو من المعارضة بشكل رئيس.
و«الطريق الثالث» هو الاسم المعلن عنه أمس لهذا التيار الذي يتخلّق في ظل عقبات وتحديات كبيرة تعيشها اليمن بعد ثلاثة سنوات ونصف على ثورة 2011م وما صنعته من تحوّلات وتداعيات.
فالثابت أن «الطريق الثالث» بمثابة تعبير عن حالة الإحباط في الروح التغييرية جرّاء تغوّل القوى العنفية من ناحية، واستمرار المنزع النمطي في الإدارة العامة؛ لكنه أيضاً يعبّر عن عدم الإحباط في تلك الروح وبحثها عن طريقها الخاص.
لذلك كلّه يحاول قطاع واسع من الشباب المتنوّر والمتحرّر والمتخفّف من التعصُّب الإيديولوجي استلهام النموذج الذي يجب أن يفتح أفقاً للناس بعد ازدياد عدم الثقة بالسياسة على مستوى الشارع، وتفاقم استقطاب مشاريع العنف للبسطاء كما هو ملاحظ.
«الطريق الثالث» كما هو معروف مستوحى من الأدبيات السياسية الحديثة كطريق للتجديد بعيداً عن الثنائيات المكرّسة، وطبعاً من الناحية النظرية تبدو الفكرة مثالية وطموحة وضد اليأس، لكن عملياً ستلاقي عثرات شتّى قبل أن تمتلك الخبرة وتتكرّس أكثر لتصويب المسارات في واقع مثقل بالتخلُّف والتطرُّف والانحيازات المسبقة، إضافة إلى مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية عميقة تتوّجها جملة مصالح معقدة لمراكز قوى وهيمنة تقليدية.
وبالتأكيد ليس بعيداً في ظل المفارقات اليمنية التاريخية - نتيجة تراكم الإحباطات والخذلانات - أن يكون «الطريق الثالث» هو طريق المطار فقط..!!.
fathi_nasr@hotmail.com