«1»
يؤكد التاريخ أنه لا أخطر من لا مبالاة القائمين على الدولة أمام حالة استمرار تفكك الدولة وتدهورها وتفسخها واضمحلالها، ما نشهد وقائعه المخبولة والصادمة على أكثر من صعيد لدينا منذ مدّة حسب عديد معطيات ووقائع، ففي اللحظات الخطيرة والفارقة التي تطرأ على أداءات الدول وتتهدّدها بتقويض كيانها؛ تعمل الدول ذات التوجُّه العقلاني الجاد نحو تنشيط مسؤوليتها وإرادتها من دون الاستسلام أبداً لمزيد من الاستلابات والمغامرات ذات التقديرات المزاجية لبعض القائمين عليها؛ بما يعني أن كل شيء من الممكن معالجته في إطار الدولة حين تصرُّ على التشبّث بكيانها كدولة فقط، وبالتالي تخوض مسارها الإنقاذي والتصحيحي المفروض بغية تماسكها البنيوي وعدم مراكمة الأخطاء فضلاً عن تقوية الأداءات وصولاً إلى النجاة من المآزق التي تراكمت على نحو ناضج، يضع حدّاً استثنائياً مهمّاً للهشاشة التي كانت مسيطرة.
«2»
لعل كل يمني بعد أكثر من 50 سنة على الثورة الأولى وثلاث سنوات ونصف على ثورة 2011م لن يذعن بالتأكيد لغير أحلام الدولة المدنية، دولة القانون والمواطنة المتساوية والكرامة والازدهار والنضال والتداول السلميين؛ ذلك أن هذا المسعى القدير وحده هو الفاعل الحقيقي لنجاة المجتمع من آفات التسلُّط والهمجية والاستئثار والطائفية.
كما أن كل قوة دينية أو اجتماعية هي أضعف من أن تهيمن على الدولة القادمة؛ بل إن الشعب هو من يصد فكرة الاحتكار والاستعلاء المرفوضين إضافة إلى كل تسييس استغلالي غير مستساغ للدين؛ لذلك فإن معركتنا بالمقام الأول اليوم خصوصاً في ظل الخطر الطائفي المستشري هي مع الأصولية أينما كانت.
والمعنى أن نتفق على الإنسان أولاً وأخيراً، الإنسان الذي جذوره المحبّة، وغايته التسامح والبناء والشراكة والتقدّم والإبداع والسلام، والثابت هو أنه لا مناص من أهمية تدعيم فكرة الدولة حتى يكون المركز الممتاز لها وليس لمراكز القوى والنفوذ من أي نوع وصنف.
fathi_nasr@hotmail.com