كما يكون الحرص وتقتضي الدقة والمصداقية عند ذكر إجمالي المبالغ النقدية أن تذكر «بالمليون والألف والمائة والفلس» جاء إيضاح بيان اللجنة الأمنية العليا حول النفق المكتشف ـ تحت منزل الرئيس السابق علي عبدالله صالح ـ والذي لا يعلم إلا الله وحده إلى أين كان سيسير بالأزمة التي تعانيها وتمر بها البلاد، جاء ذلكم الإيضاح بدقة ومصداقية من يحرص على تبيين ما تم حفره بالمتر والسنتي والملّي «طولاً وعرضاً وارتفاعاً» وبدافع الحرص ذاته ذيّلت اللجنة بيانها بلوم وسائل الاتصال الإعلامي التي استبقت وسائل الإعلام الرسمية بوقت غير قصير بنشر الخبر، واجتهدت في تحليل ما حدث أو ما تم اكتشافه وتوجيه التهم إلى أطراف أو جهات معيّنة ـ قائلة إن تلك الاجتهادات والتسرّع، يلحق الضرر بالإجراءات الأمنية، التي تخدم كشف ملابسات القضية، وإجراءات ضبط الجُناة، وكأنها ـ أي اللجنة الأمنية ـ تخشى أن ينقطع خيط من الخيوط التي أمسكت بها بعد اكتشاف عيونها الساهرة للجريمة.
هنا نقول للجنة والأجهزة الأمنية عموماً المعنية بهذه الجريمة وما سبقها وما سيتلوها: إن ما شكوتموه من تسرّع واجتهادات، عادة يمنية لها جذورها، ولعل بعضكم سمع بشكوى أحد السفراء الأجانب في بلادنا ـ خلال الأزمة التي سبقت حرب صيف 1994ـ وقوله: لقد صرت أخجل من حكومتي ووزارة خارجيتها لكثرة تناقضات تقاريري التي أبعثها عن الأزمة اليمنية؛ فكلما التقيت بشخصية ـ يمنية ـ أثق بها وسمعت منها كلاماً بنيت عليه تقريري الذي بعثته؛ حتى أبعث في اليوم التالي باعتذار عن أمور غير دقيقة وردت فيه، وأبعث بتقرير آخر وفقاً للقائي بشخصية ـ يمنية ـ أخرى سمعت منها لما هو مخالف لما بعثت به في الأمس، وهكذا دواليك، لقد صرت أخشى أن أصنّف عند وزارتي كاذباً أومقصّراً، وربما صرت عندهم كذلك، فحالكم في اليمن كتحليلاتكم لا تستقر على حال..؟!.
للإخوة في اللجنة والأجهزة الأمنية أورد هذا المثل علّه يمتص غضبهم من الوسائل الإعلامية، قائلاً إن كان ذلك ما يحدث عام 1994م، قبل اليوم في ظل هذه المستجدات والتسابق على فرض وجهات النظر، والتشويش المسبق على ما ستتضح من حقائق وتأتي به التحقيقات.
هكذا هو واقع الحال، وهكذا سيظل مادامت الضوابط القانونية للمواقع والصحافة الإلكترونية غائبة عن هذا البلد، ومادمنا نفتقد إلى القضاء والقاضي الذي يرى الضعيف قوياً حتى يأخذ حقّه، ويرى القوي ضعيفاً حتى ينصف المظلوم منه، وفقاً لميزان لا تعبث به المؤثّرات السياسية.
وبما أن هذا هو واقع الحال، فلتكن الأجهزة الأمنية ـ ومعها الأجهزة الإعلامية الرسمية وغير الرسمية ممن تبحث عن المعلومة الصحيحة وليس الإثارة والتدليس ـ هي السبّاقة إلى إعلام الرأي العام بالوقائع والحقائق كما هي تمشياً مع الظروف الراهنة وما تحتّمه من سد منافذ الشائعات والتسريبات وحتى تفسد مآرب الاجتهادات ذات النوايا السيئة.
لماذا لا تكون هي السبّاقة في نقل الخبر والحقيقة كما هي دونما مواربة أو تباطؤ؛ فبذلك تكسب ثقة المواطن وتحصّنه مما يستهدفه ويستهدف الأمن والسلام الاجتماعي، عندما تقوم الأجهزة الأمنية والعسكرية بذلك ومعها أجهزة الإعلام الرسمية، فإنها لن تأتي ببدعة أو تخالف ما هو معمول به في البلدان التي تحرص أجهزتها على قطع الطريق أمام الشائعات بقدر حرصها على كسب ثقة المواطن..؟!.
ولننظر مثلاً إلى تعامل أجهزة الأمن والإعلام الرسمي في جمهورية مصر عندما تتعرّض البلاد لأي استهداف أوجرائم والإخلال بالأمن، كيف تسبق إلى نقل الحدث من الموقع بالصوت والكلمة والصورة، موضحة ما حدث، مبرزة من ألقي القبض عليهم وما تقع عليه اليد من أدوات الفعل أو الجريمة، بل إنها لا تتردّد في اصطحاب وسائل الإعلام معها كما حدث عند مداهمة بعض الأوكار في عهد الرئيس مبارك وكما يحدث الآن وأن تبرز مآسي الإجرام عبر زيارة أُسر الشهداء والتحدّث معهم.
نحن في عصر استحالة حجب أو تغطية ما يحدث؛ وبالتالي لا مناص من إطلاع الرأي العام على ما يحدث في حينه، وإلا تُرك عرضة للشائعات والبلبلة وما يضر بالأمن والسلم الاجتماعي عموماً، فما حدث من تسريبات واجتهادات ومغالطات تستهدف الأمن وتخدم الإرهاب لا تواجه بالشكوى ولكن بكشف الحقيقة كاملة، وقد قيل: «من يقول نصف الحقيقة فقد كذب» ونقول إن من لا يسمح إلا بنصف الحقيقة؛ لا يختلف عمّن يخلط الأوراق ويخدم الشبهات..!!.