من السهل أن يزخر برنامج عمل أية حكومة بالتطلُّعات والطموحات التي لا حدود لها, وبالوعود التي لا تنتهي, ومن الأسهل أن تنال بموجبه ثقة البرلمان حتى لو أضاف على البرنامج من التوصيات ما يفوق عدد صفحاته باعتبارها من لزوميات الروتين أو العادة المتبعة في هذه الحالات, لكن المهم هو مدى القدرة على تنفيذ ما تضمّنه البرنامج الذي سيكون الميدان هو المحك الذي يمكنه أن يثبت نجاح الحكومة أو فشلها في تنفيذ ما التزمت به, وفي قدرتها على المواءمة بين الإمكانات والموارد المتاحة والطموحات والتطلّعات.
ربما أن حكومة المهندس بحّاح تدرك حجم الصعوبات والتحدّيات الماثلة أمامها والتي يمكن أن تحد من حماسها لتجاوز الأوضاع السائدة في البلاد؛ إذا ظل الانفلات الأمني وتفشّي الفوضى وهشاشة الوضع الاقتصادي, وتفاقم الصراعات والمكايدات بين القوى السياسية وشحّة الموارد وتناقصها, بسبب الانخفاض الحاد لأسعار النفط عالمياً, وتناقص حجم الإنتاج المحلي الذي لن يتجاوز في فبراير القادم بحسب ما أعلنته لجنة تسويق النفط الخام المائة ألف برميل يومياً إن لم تقل إذا استمرّت أعمال تخريب وتفجير أنابيب النفط, بالإضافة إلى توقعات انخفاض أسعاره عالمياً في منتصف العام 2015م إلى ما دون الخمسين دولاراً للبرميل, وهذا هو التحدّي الأكبر أمام الحكومة, خاصة إذا أدركنا أن الموارد غير النفطية التي تعتمد عليها الموازنة العامة للدولة لا تشكّل سوى 30 % في الظروف الاعتيادية وعندما كان إنتاج النفط يتجاوز المئتي ألف برميل يومياً.
أمام هكذا وضع مليء بالتحدّيات, إلى جانب استمرار تحدّي الإرهاب وتزايد أعمال العنف والفوضى والتمردات ومحاولات كسر عظم الدولة من قبل بعض الأطراف السياسية وتنكرها للاتفاقات والتفاهمات التي تمّت بين المكوّنات السياسية والدولة, بالإضافة إلى استمرار تصعيد ما يسمّى «الحراك الجنوبي السلمي» الذي تعدّدت فصائله بكل تناقضاتها وتبايناتها الطاغية على المشهد العام لنشاط الحراك الساعي ظاهرياً لاستعادة دولته - كما يدّعي- البعض متجاوزاً كل الخطوط الحمراء, وفي الواقع يعمل على تمزيق اليمن وتفتيته متنكّراً لهويّته الوطنية باحثاً عن هويّة أخرى, ويعمل على تعميق ثقافة الكراهية والحقد والانتقام بين أبناء الشعب الواحد, ويتسبّب في مضاعفة معاناة الناس وخوفهم من القادم المجهول, بالإضافة إلى أنه بممارساته تلك يضعف الدولة ويُعمّق الفوضى في ظل الانفلات الأمني وتزايد أعمال العنف والإرهاب وتوسُّع نشاط تنظيم «القاعدة» الذي يتخذ من عجز أجهزة الدولة عن أداء واجباتها ذريعة ليجعل الإرهاب عنواناً للمرحلة.
أمام كل ما هو قائم؛ نعتقد أن الحكومة لن تستطيع تجاوز الأوضاع الراهنة والانتقال بالوطن إلى واقع جديد أكثر أمناً واستقراراً؛ إلاَّ إذا تعاون الجميع معها وفي المقدّمة مؤسّسات الدولة الدستورية وكافة المكوّنات السياسية والاجتماعية, باعتبار أن إنقاذ البلاد مسؤولية وطنية يتحمّلها الجميع.
لا شك أن التحدّيات الجسيمة والمشكلات المتفاقمة التي تواجه الحكومة في غاية التعقيد والخطورة وتنذر بتداعيات كارثية خاصة في ظل خوف الكل من الكل وانعدام الثقة وعدم الشعور بالمسؤولية واستعداد البعض للتضحية بالوطن من أجل ضمان مصالحه أو إضافة المزيد منها, حتّمت على الحكومة أن تضع برنامجاً متواضعاً أقرب إلى الواقعية, متجاوزاً المزايدات والشعارات ومحاولات تخدير مشاعر الناس بالوعود البرّاقة والأحلام الوردية؛ وكانت أكثر واقعية عندما شخّصت المعضلات والتحدّيات التي أفرزتها الأزمات المركّبة التي شهدتها البلاد, وحملت على عاتقها مسؤولية معالجتها.
يمكن القول إن برنامج الحكومة لامس المستوى الأدنى من تطلُّعات اليمنيين, وحدّد مسار النمو الاقتصادي والاجتماعي واتجاهاته الممكنة, وصولاً إلى الاستقرار السياسي والأمني, وبسط هيبة الدولة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وفي مقدمتها إنجاز مشروع الدستور.
ali_alshater@yahoo.com