تشير التطورات المتسارعة في الوضع اليمني الراهن إلى محورية وأولوية بناء الدولة الوطنية؛ لا من حيث هي الأساس المغيّب عن الجغرافيا والمجتمع فقط, بل بهذا ومعه كونها الإطار المنشود إقامته للانتماء الوطني والاندماج المجتمعي والمشاركة السياسية في الصالح العام.
ربما يشير بعض الساسة إلى حالة التشظّي العنيف في التكوين المجتمعي وبين مكوّناته على أساس جهوي أو قبيلي أو طائفي باعتبارها حالة مناهضة للدولة ومعيقة لبنائها, وهذا صحيح كواقع, ولكنه بهذا الواقع وبطبيعته الصراعية يستدعي الدولة ويفرضها على قوى الصراع بحكم حاجتها إلى النظام الجامع ومصلحتها المتحقّقة بالشراكة بينها في تبادل المنافع.
على هذا الافتراض الذي يضعه التحليل السياسي لظاهرة تكون الدولة وعملية إعادة بنائها؛ يمكن القول إن بناء الدولة الوطنية في اليمن يستدعي واقع الصراع العنيف بين الانتماءات الصغيرة إلى القبيلة والطائفة والجهة ويفرضه على واقع الصراع كحاجة جامعة ومصلحة مشتركة وهو ما يعني البدء ببناء الدولة من قاعدة التوافق على الخروج من دائرة التمزُّق والصراع إلى رحاب الوطن والنظام الجامع في دولة واحدة.
التوافق في وجه من أوجهه الدلالية يعني التعاقد, والتعاقد آلية توافقية لصناعة العقد الاجتماعي الناظم للمكوّنات المجتمعية في إطار سياسي ومؤسّسات حكم, وبعبارة أخرى «دستور الدولة» وهذه البداية متاحة في الوضع اليمني الراهن, لأنها الوسيلة الآمنة والعادلة لإنهاء الصراعات المدمّرة, والخروج من ويلاتها إلى مؤسّسات الأمن والسلام والبناء والازدهار, فالدولة بمعنى من المعاني تمثّل القبول الطوعي لمواطنيها بسُلطة حكم تقيم بينهم الحقوق بعدل القانون.
غير أن متطلّبات بناء الدولة في اليمن محدّدة بحكم الواقع وإرثه التاريخي بالمشروع الوطني الجامع كأولوية تقتضي التكامل بين الإطار النظري والأسس التطبيقية, ذلك أن بناء الدولة ليس مجرد دعوة إلى الإقصاء أو الاستقواء؛ بل حاجة جامعة ومصلحة مشتركة تضمن الحقوق وتقيمها بالعدل بين مواطنين متساوين بلا أي تمييز أو امتياز أمام سيادة القانون.
هذا التجريد اللفظي قابل للتفضيل العملي على الواقع اليمني الراهن بالقول إن القوى اليمنية وأحزابها السياسية ومكوّناتها المجتمعية مدعوة إلى توافق جامع بينها على الدولة الاتحادية التي تجسّد الشراكة الوطنية والمشاركة السياسية بالسُلطة المحلية والوحدة السياسية؛ وذلك يعني عملياً حلاً عادلاً للقضية الجنوبية وقضية صعدة يضمن معالجة عادلة لمفاسد الماضي.
إن الأهم يتحدّد الآن في الصياغة النظرية لمشروع بناء الدولة الوطنية السابق للدستور والمحقّق للتوافق الوطني والسياسي بين قوى الصراع.
Albadeel.c@gmail.com