مشروع "مبادرة شخصية من ست نقاط" أضعها بين يدي الجميع وبالأخص الأطراف المتصارعة في عدن بهدف وقف نزيف الدم ومنع تدمير ما تبقى من المدينة، ولايجاد مخرج مشرف لكل الأطراف المتحاربة في الجنوب تمهيداً لحل القضية الجنوبية.
عدن تعيش وضع مأساوي، نُقل الصراع اليها عندما وصلها هادي واعلنها عاصمة مؤقتة لليمن، وانطلق منها لمواجهة أنصار الله في الشمال والعمل على حشد المعارضين لهم فيها إضافة الى سفراء الدول العربية والأجنبية، إضافة الى أن بعض المناطق الجنوبية أصبحت تحتضن أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة وينطلقون منها للتخطيط ولتنفيذ عمليات اغتيال وتفخيخ للمساجد وأماكن أخرى في صنعاء وغيرها من المحافظات الشمالية، وآخرها اغتيال عبدالكريم الخيواني وتفجير مسجدي بدر والحشوش اللذان قتل وجرح فيهما العشرات من المصلين في الوقت الذي لم يكن لأنصار الله موطئ قدم في أي منطقة جنوبية.
بدأت شرارة المعركة من قرار هادي بتغيير قائد القوات الخاصة عبدالحافظ السقاف وما اعقبه من اقتحام للمعسكر من حلفاء هادي، ثم قيام القاعدة باقتحام معسكر القوات الخاصة في لحج وذبح عشرات الجنود -مع أنهم لم يبدوا أي مقاومة- فقط لأنهم من محافظات شمالية.
كل ذلك شكل ضغطاً واحراجاً لأنصار الله ولجنتهم الثورية التي شكلوها وفقاً لإعلانهم الدستوري، وخصوصاً بعد تزايد دعوات الاستغاثة من مختلف الوحدات الأمنية والعسكرية في الجنوب بأن تتدخل السلطة الجديدة في صنعاء لحمايتهم بعد أن خذلهم هادي ودخل معهم في خصومة، واعتمد على اللجان التي انشئها، وتعرض جنود تلك الوحدات للكثير من المذابح والاعدامات الجماعية على يد تنظيم القاعدة دون ان يحرك هادي ساكناً سواء عندما كان في صنعاء –حادثة ذبح الجنود الذين كانوا على باص النقل الجماعي- أو بعد وصوله الى عدن "ذبح الجنود في الحوطة".
لم يكن يرغب أنصار الله مطلقاً بالتورط في أي معارك عسكرية أو اجتياح للجنوب، فقد تريثوا في دخول حتى في بعض مناطق الشمال التي لم تشكل خطراً عسكرياً أو أمياً عليهم ولا يوجد فيها حاضن شعبي كبير لهم، كمحافظة تعز، وكان يكفيهم بعد سيطرتهم على مقاليد السلطة في صنعاء أن يسيطروا على الجنوب عبر أدوات ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والمدنية المتواجدة في المحافظات الجنوبية، وكان سيتم وضعهم في اختبار حقيقي لهم وللشعارات التي نادوا بها في ما يتعلق بالقضية الجنوبية من ضرورة احترام الخيارات التي يقررها أبناء تلك المحافظات أياً كانت، وفي حال فشلوا في الاختبار كانت ستتكفل التحركات والثورة الشعبية بإخراجهم من الجنوب منكسي الرؤوس خلال أشهر قليلة أو عام بالكثير، فلن يتمكنوا من الصمود أمام الاحتجاجات السلمية.
تورط أنصار الله "الحوثيون" في الجنوب بعد تورطهم في الوصول الى السلطة في صنعاء، وذلك ما حذرتهم منه في 27 سبتمبر الماضي بعد دخولهم صنعاء بأيام في مقال بعنوان "الفخ الذي نُصب لأنصار الله بدخول صنعاء"، فالسلطة تفرض خيارات مؤلمة ومكلفة أحياناً لأي طرف يتبوئها، لذا نصحتهم بأن لا يتورطوا في استلام السلطة لوحدهم حتى لا يتحملوا المسؤولية، وطالبتهم حينها بالانسحاب من صنعاء بالتنسيق مع الوحدات الأمنية والعسكرية بعد ان يتم استيعاب عدد منهم في صفوف تلك المؤسسات كما نصت عليه مخرجات الحوار الوطني، وحذرتهم من سيناريو مشابه الى حد بعيد لما هو حاصل اليوم.
لا تزال الفرصة سانحة لإيجاد تسوية للأزمة الإنسانية في عدن ولحج والضالع وبقية مناطق الصراع والحرب في الجنوب والتي تتحملها كل الأطراف المشاركة فيها، بعد أن حولت المدن والمدنيين الى دروع بشرية ومتارس يخوضون حرب شوارع من خلفها، ما أدى الى كارثة إنسانية، ووضِعَت مختلف الأطراف أمام أزمة أخلاقية يفترض أن تدفعها الى المسارعة لإيجاد تسوية، قبل أن تتحول تلك الفظائع التي ترتكب ضد المدنيين والمدن الى وصمة عار وجريمة أخلاقية ستبقى تلاحقهم الى ما لا نهاية.
مراهنة البعض على التدخلات الخارجية سواء الاقليمية أو الدولية لن تحل مشاكل اليمن بما فيها القضية الجنوبية، ويكفي الجميع عبرة ما حصل ويحصل في افغانستان والصومال وسوريا والعراق ومؤخراً في ليبيا، كما أن مراهنة البعض على الحسم العسكري الميداني كما حدث في حرب 94م غير مجدية كذلك، وقد أثبتت الأيام خطأ ذلك الخيار، ولنا في نظام الرئيس السابق صالح وسلطته خير مثال، ومن هنا فأفضل الحلول هي التي تصوغها الأطراف المحلية المتصارعة، ويمكن بعدها اقناع المجتمع الاقليمي والدولي بها بعد فرضها على الواقع.
تتلخص الخطوط العريضة لـ"مشروع المبادرة" في التالي:
1- يعلن أنصار الله استعدادهم لوقف اطلاق النار وتسليم عدن ولحج –كمرحلة أولى- لتحالف أو لطرف سياسي جنوبي لا يتبع الرئيس الفار هادي، وقد يكون مؤتمر شعب الجنوب الذي يرأسه محمد علي أحمد بتحالف مع الأطراف السياسية الغير موالية للرئيس هادي هو الأكثر قدرة على استلام عدن ولحج.
2- يرشح هذا التيار قائمة بأسماء شخصيات جنوبية تتولى مقاليد السلطة في عدن ولحج كخطوة أولى، ابتداء من المحافظين مروراً بقادة الوحدات العسكرية والأمنية ومدراء عموم المكاتب والمؤسسات الحكومية، بشرط أن يكونوا من الشخصيات ذات الكفاءة والاستقلالية "تكنوقراط".
3- يلتزم هذا التحالف بعدم السماح للرئيس الفار هادي بالعودة الى عدن أو الاعتراف بشرعيته، إضافة الى العمل على مكافحة القاعدة وكل التنظيمات الإرهابية.
4- ينسحب أنصار الله بشكل نهائي من عدن ولحج عبر آلية يتم الاتفاق عليها مع التحالف الجنوبي.
5- يتم تعميم التجربة في بقية المناطق الجنوبية –مع توسيع قاعدة التحالف الذي يستلم السلطة في الجنوب ليشمل مختلف التيارات والمناطق بما فيهم التيار الموالي للرئيس هادي بعد ان يتخلى عن شرعيته كرئيس لليمن- في حال نجحت التجربة في عدن ولحج.
6- يتم العمل على إيجاد تسوية نهائية للقضية الجنوبية، اما عبر تصحيح مسار الوحدة او فك ارتباط منظم يحافظ على وحدة الجنوب ويمنع أي اقتتال داخلي فيه.
تلك خطوط عريضة للمبادرة، وللأطراف المعنية بمجرد اعلان الموافقة المبدئية عليها الدخول في التفاوض لتحويل المبادرة الى اتفاق موقع، بما يؤدي الى وقف نزيف الدم، ويخرج مختلف الأطراف من ورطتها الأخلاقية والسياسية والعسكرية.
تلك المبادرة ستلبي مطالب الجنوبيين العادلة عبر الاعتراف بحق غالبيتهم العظمى في تقرير مصيرهم، اما عبر تصحيح مسار الوحدة او فك ارتباط منظم يمنع الجنوب من الانزلاق للمجهول أو سيطرة تنظيمات إرهابية على بعض مناطقة كما حصل في سوريا والعراق بعد أن ضربت التدخلات الخارجية مؤسسات الجيش والأمن في البلدين، وستلبي المبادرة أيضاً حاجة أنصار الله وحلفائهم في منع استخدام هادي –والقاعدة- لعدن ولحج والجنوب بشكل عام كمنطلق للمعركة السياسية والعسكرية عليهم في الشمال.
أتمنى التعامل بمسؤولية مع المبادرة من مختلف الأطراف لمنع عدن والجنوب وكل اليمن من الانزلاق الى وضع كارثي كما هو حاصل في سوريا أو العراق.