«هات من الآخر» عبارة يقولها الإخوة في مصر، في بداية حديث يُراد له الاختصار والوصول إلى المراد، بعيداً عن التطويل.. فهل شاءت الأقدار وتهيأت الظروف المناسبة لأن تأتي ثمار مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل والتوجه الهادف إلى تحويل اليمن إلى دولة اتحادية بنتائجها من الآخر، كما يقال في مصر، وعلى يد القبيلة ومشائخها «القبليين والدينيين» وليس على يد الأحزاب والنخب وطلائع المجتمع من مفكرين ومثقفين.
فهذه مخرجات مؤتمر الحوار التي ترى أن أمن اليمن وتقدمه وازدهاره يتطلب دولة قوية تتواجد في كل أجزاء الوطن، ونزع الأسلحة التي لا يحق للمواطن أن يمتلكها.. هاهي تجد في أوساط القبيلة أول الأصوات المؤيدة والداعية إلى الإسراع في ذلك..
أمَّا أهداف التحول إلى أقاليم في ظل دولة اتحادية، والتي تتطلب، بل تحتم أن تكون هناك دولة مدنية قوية لا يختلف تواجدها في قرية في «رداع أو الضالع أو حضرموت أو صعدة»، عما هو عليه في ميدان السبعين ومحيط دار الرئاسة في أمانة العاصمة صنعاء، ها هي القبيلة لا تنادي به من بطون الأودية وشماريخ الجبال، ولكن بالذهاب إلى عقر الدولة والاستنجاد برئيس الجمهورية.
لقد احتلت مطالبة القبيلة بالدولة وهيبتها صدارة تفسيرات وتساؤلات وتكهنات الكثيرين وأولهم من يرون أن القبيلة ونفوذها في الدولة هي من حال بين الدولة ووظيفتها في كل ربوع الوطن..
تساؤلات وتفسيرات تعالت مؤشراتها واستحوذت على اهتمامات الشارع، خاصة بعد اللقاء الذي جمع فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي يوم 23 /2 /2014م بحوالي تسعين شخصاً، اختلفت وسائل الإعلام المحلية في وصفهم، ولكنا نأخذ بوصف الإعلام الرسمي لهم بأنهم ممثلون لمشائخ اليمن..
لن نقف أمام ذلكم اللقاء لعدم احتياجه لتعليقاتنا وتفسيراتنا، ونتحدث قليلاً عن شيء من الاحتياج للدولة ووظيفتها.
يذكر المؤرخون أن المجتمعات عندما كانت حياتها أشبه بحياة الغاب، تسير الأمور فيها خاضعة لمشيئة الأقوى -من سطوة القوة البدنية، فقوة العصبية، فقوة القبيلة- فإن الفئات والشرائح والطبقات الأضعف هي من سعى إلى وجود دولة يحتمون بقوانينها، ولهذا قيل: إن القانون أوجده الضعفاء للاحتماء به من سطوة الأقوياء.. وهنا نتساءل: هل أدركت القبيلة في اليمن أن ما سارت عليه الأمور بعد قيام ثورة سبتمبر 1962 قد تغير بثورة فبراير 2011م وأن مستجدات ثورة الشباب ومخرجات الحوار الوطني والتحول إلى الأقاليم الاتحادية قد حملت معها ما دفع بالقبيلة إلى المطالبة بنزع الأسلحة وتفعيل هيبة الدولة ووظيفتها على كل (شبر) من الوطن، كما جاء في مطالب من أشرنا إليهم؟..
هذا ما نترك الإجابة عنه للأيام بألسنة وأقلام الباحثين والمحللين، حتى نستغل ما تبقى من هذه المساحة في الإشارة إلى بعض وظائف الدولة وماذا يعني تواجدها على كل شبر من الوطن ونزع الأسلحة.. ومن ذلك:
- أن يتساوى الناس -كل الناس- أمام ميزان العدالة، وسيف القانون الذي يضع الحد الفاصل بين كل ما هو خير وكل ما هو شر، فلا يحتاج المواطن إلى سيف أو أي سلاح يحمي به نفسه من متقطع أو قاتل أو ناهب..
- أن يتساوى المواطن البسيط والفقير ومن لا ظهر له مع رئيس الجمهورية والوزير وشيخ القبيلة وصاحب النفوذ أمام القضاء وعدالته عند الاحتكام إليه.
- أن يكون المعْنِي ببسط نفوذ الدولة وهيبتها وقوانينها قدوة لغيره -كما فطن لذلك الإمام يحيى حميد الدين- عند دخوله صنعاء بعد اتفاقية دعان وسلم بندقيته لحراسة باب شعوب في صنعاء، قائلاً: هذه بندقية الإمام، فلا تدخل بندقية إلى المدينة (المُهجَّرة)، وعندما كان يمتثل للتقاضي أمام القضاء إن شكا به أو رُفِعت دعوى قضائية ضده من مواطن أو موظف، وعندما خصَّص سجناً للمخالفين من أبنائه.
- أن تستنفر الدولة -إن لم نقل تقوم قيامتها- إذا ما قُتل جندي أو شرطي أو مواطن مدني ظلماً وعدواناً، حتى تأخذ العدالة مجراها في أخذ حقه والاقتصاص له، كون قيد الجرائم ضد مجهول علامة من علامات التقصير أو الضعف والفشل الذي لابد من التخلص من أسبابه وسلبياته المسيئة للدولة، الباعثة على ما يزعزع الثقة بها.
- أن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص وحقوق المواطنة، فلا يعتدى على مواطن أو يُهَجَّرُ أو يُنفى لأي سبب كان.
- كما أن تواجد الدولة يعني أن لا تَقَطُع (قطاع) قبلي بغرض الابتزاز أو المطالبة بحق أو التعبير عن مظلمة أو بدافع إشاعة الفوضى.. وغير ذلك مما يندرج في جرائم (الحرابة) الواجب على الدولة تنفيذ عقوبتها وإلاّ سقطت هيبتها.
- وتواجد الدولة يعني، أن تفجير أنبوب نفط أو قطع تيار كهربائي هو بمثابة الكفر شأنه شأن الخطف، وإلحاق الظلم والأذى بالغير بقوة السلاح.
- وتواجد الدولة على كل شبر في الوطن يعني أن لا وساطة بين الدولة وبين مُخِلٍ بقوانينها وهيبتها، وأنَّ لا فتاوى من غير مصدرها الرسمي ولا تدخل في شئون الدولة بأي شكل من الأشكال، ولا إخلال بما يحسِسُ المواطن أن هناك دولة تحمي ضعفه وتصون حقوقه وتأخذ حق الضعيف من القوي.
خلاصة القول تساؤل مفاده: هل تأتي مخرجات الحوار الوطني الشامل ونظام (الكوته) للمرأة والانتقال إلى الأقاليم، والقرارات الأخيرة لمجلس الأمن بيمن جديد..؟؟ نأمل ذلك.
شيء من الشعر:
لا تَعْجَبواُ.. فلا عَجَبْ
أمَا عَرفتُمُ السبب
وأنَّنَا عَربْ
وأمُنا حمالة الحطب
وزوجها يُدْعَى (أبا لهب)