تبقى الحرب مهما كانت مبرّراتها كارثة وجريمة كبرى تدفع الشعوب ثمنها باهظاً، ومهما حاول دعاتها ومناصروها تجميل صورتها وإلباس وحشيتها ثوب القداسة؛ إلا أن ذلك لا يخفي حقيقتها، وأن الحرب لا تجلب على الشعوب سوى المآسي والويلات، وتكون مأساتها أعظم وويلاتها أكبر حين تدور رحاها بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد.
نعم.. الاقتتال بين أبناء الوطن والدين الواحد جريمة لا تُغتفر؛ أكان هذا الاقتتال بدوافع قبلية أو مذهبية أو سياسية؛ لأن تبعاتها لا تقع على الأطراف المتحاربة وإنما على كل أبناء الشعب وتؤثّر وبشكل مباشر على السلم الاجتماعي وعلى أمن الوطن واستقراره.
كما أن الحرب تستنزف مقدّرات الوطن، وتحرم الشعب الاستفادة من ثرواته، وقبل هذا أو ذاك تؤجّج مشاعر الحقد والكراهية على المدى الطويل، وتفتح المجال للثأرات المتواصلة، فيبقى الصراع قائماً، والحرب مشتعلة، وإن خبت وهدأت فسرعان ما تعود من جديد أكثر ضراوة.
ولهذا فمن الغباء أن تكون الحرب هي الخيار الأفضل لتسوية الخلافات المذهبية وحسم الصراعات السياسية والحزبية؛ لأنه وبكل بساطة لا يمكن لأي طرف مهما كانت قوته أن يجتث خصومه وينفيهم بعيداً عن وطنهم، فالجميع شركاء في هذا الوطن وإن اختلفت مذاهبهم وتباينت وجهات نظرهم.
ولا أبالغ إذا ما قلت إن اليمن ومنذ سنوات ساحة حرب مفتوحة، ولا ندري متى يدرك اليمنيون أن الحرب ليست هي الحل لمشاكلهم؛ ولكنها مشكلة أشد وأعظم، ولا ندري متى يقتنع اليمني أن سلاحه يجب أن يوجّه إلى صدور أعداء وطنه والمتآمرين عليه وليس إلى صدور أبناء وطنه..؟!.
إن مأساة اليمنيين ستبقى قائمة مادام السلاح في متناول الجميع ومادام هناك من يستثمر الحرب ويعتبرها تجارة مربحة ولو كان الثمن دماء اليمنيين وتدمير وطنهم.
والمؤسف حقاً أن يذهب البعض إلى تبرير الحرب وشرعنتها وتحويلها من جريمة منكرة إلى بطولة وشجاعة وجهاد مقدّس في سبيل الله، وهو ما يفاقم من حدّة الصراع أكثر فأكثر، وما يجري اليوم في عمران هو نتاج فتنة أشعلها أصحاب المصالح وتجار الحروب.
فمتى يضع القبيلي بندقيته ويرضخ إلى سلطة النظام والقانون, ومتى تضع الحرب أوزارها لينعم الوطن بالهدوء والسكينة بعيداً عن أصوات القذائف وأزيز الرصاص ورائحة الدخان والبارود، ومتى نستبدل الرصاصة بالكلمة والحوار بدل الاحتراب سنوات وسنوات ونحن ننتقل من أزمة إلى أزمة ومن صراع إلى صراع ومن حرب إلى حرب وكل يوم نفتح جرحاً جديداً في جسد الوطن وندّعي أننا نؤسّس لدولة مدنية ولكن على الطريقة اليمنية..؟!.