كتبت ليلى الأسبوع الماضي نهاية مأساتها، ووضعت حدّاً لمعاناتها الطويلة بعد أن ضاقت بها الدنيا بما رحبت وتخلّى عنها أقرب الناس إلى قلبها ومن كانوا سبباً في صنع مأساتها ومعاناتها؛ وكل ذنبها أنها خضعت لمشيئة أبويها ونزلت عند رغبتهما حين قرّرا تزويجها وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها وقدّمت حياتها قرباناً لسعادة أسرتها التي لم تقدّر تضحيتها ودفعت بها إلى الانتحار..!!.
حكاية ليلى سيناريو متكرّر لحكايات كثيرة تُجبر فيها البنت على الزواج في سن مبكرة لأسباب كثيرة أهمها الطمع وحب المال، وحين تفشل البنت الصغيرة في إطالة أمر حياتها الزوجية، أو بالأصح حين يكتفي منها من اشتراها وتعود بعد أشهر قليلة إلى أسرتها خائفة محطّمة ومنكسرة وربما تحمل في أحشائها ثمرة هذه العلاقة القصيرة ممن طلبها للمتعة ولم يطلبها لإنجاب الأطفال؛ تكون هي المُلامة وهي الخاطئة والمذنبة، وعليها أن تدفع الثمن وتعيش في ذل وهوان وعذاب دائم, وغالباً ما تُفرض عليها الكثير من القيود التي تحد من حريتها باعتبارها مطلّقة ولها وضع خاص, فلا خروج ولا دراسة ولا زيارات؛ وكل حركاتها وسكناتها مرصودة ومتابعة، وتبقى محل شك في استمرار.
ليلى كانت ضحية صفقة أبرمها والدها مع أحد أصدقائه القدامى ليحصل بموجبها على خمسة ملايين ريال بالإضافة إلى سيارة وهدايا أخرى قيّمة، كما تحمّل العريس العائد من الغربة كل تجهيزات العروس من ذهب وملابس وحتى صرفيات العرس، كما تقول عمة ليلى التي كانت المعارضة الوحيدة لإتمام هذه الصفقة المشبوهة، فمُنعت من دخول منزل أخيها أو التواصل مع ليلى حتى لا تؤثّر عليها وتقنعها برفض هذا الزواج، وبرّر موقفها من قبل الأسرة أنها تريد ليلى لأحد أبنائها ولم يستمع إلى شكوكها أحد, لا الأم ولا الأب ولا حتى الإخوة؛ فقد أعمت الملايين أبصارهم, ولهذا لم يكلفوا أنفسهم حتى مجرد السؤال عن السر الذي يخفيه هذا الزوج الغامض واشتراطه أن تتم مراسم العرس بسرعة وبسرية تامة، ورفضه الحضور لأخذ عروسه من الصالة وطلبه من والدها أن يوصلها إليه بنفسه إلى أحد فنادق عدن..!!.
وفعلاً تمّت الأمور كما أراد الزوج ـ وبحسب رواية العمة ـ فإن هذا الزواج لم يستمر أكثر من خمسة أشهر قبل أن تعود ليلى إلى أسرتها بطلب من زوجها بعد أن اكتشف أنها حامل، هذا الحمل كان وراء كشف السر الخطير الذي حاول أن يخفيه عن الجميع وأصرّ على ضرورة إنزال الجنين، وحين حاولت أن تعرف السبب أخبرها أنه لا يريد أن يولد ابنه مصاباً بمرض فقد المناعة «الإيدز»..!!.
هذا الاعتراف الكارثة نقلته ليلى إلى أسرتها؛ فقاموا بإجهاضها ومن ثم عزلها بعيداً عنهم وعدم الاختلاط معها أو مجالستها خوفاً من العدوى لتعيش أسوأ أيام حياتها وأكثرها ألماً.
ولنا أن نتخيّل الحالة النفسية الصعبة التي عاشتها ليلى طوال خمسة أشهر لا تلتقي أحداً، تأكل لوحدها وتنام وحدها رغم أنها تسكن في نفس البيت الذي تسكنه أسرتها التي كانت سبباً في إصابتها؛ فما كان منها إلا أن هربت من هذا العذاب إلى ظلام القبر، ورأت أن الموت أرحم ألف مرة من هذه المعاناة التي لا تطاق.
أما الزوج فقد قيل إنه عاد إلى أمريكا؛ وربما هو يبحث عن ضحية أخرى وأسرة أخرى تبيع له فلذة كبدها بحفنة من الدولارات.