الإرهابيون يتوزعون بأشكال متعددة ، ويتدثرون أردية متنوعة، فتارة يلبسون مسوح الدولة، وطوراً يتحالفون مع الطغم العسكرية في بلدان الفساد الذي يزكم الأنوف، وحيناً يتحولون إلى مليشيات هاربة في شواهق الجبال وبطون الوديان، وطوراً يلبسون الياقات الناعمة، ويتحدثون بلغة البزنس، وغالباً ما يصدرون عن ذات النبع الخفائي الغامض لصناع الموت العالمي.
الإرهاب ظاهرة عالمية بحاجة إلى تعريف متجدد، يواكب عاصفته العابرة للقارات والشعوب والأديان.
الإرهاب بحاجة إلى ترهيب يبدأ بالتشخيص الدقيق، وينتهي بتجفيف منابعه الشاخصة، قبل مقاتلة عناصره الضالة من الشباب المغرر بهم.
من أراد محاربة الإرهاب فعليه أن يفتش جيوبه أولاً، وأن يلتفت إلى ما يحيط به ثانياً، وأن يسترجع منابع هذا الفعل الأثيم ومصادر تمويله ودعمه ثالثاً، وأن يناجز الخطاب المُدثِّر بالدين، من خلال تحديد مكانة الدين ودوره البناء في المجتمع.
أي حرب تشن على الإرهاب لن تجدي نفعاً إن لم تكن مقرونة بهذا التشخيص الدقيق للمنابع والموارد والطاقات السلبية الحاملة لهذا المشروع الخطير، ولن تتكلَّل مثل هذه الحرب بالنجاح إن لم تقترن بتوازي الدروب السالكة نحو مكافحة الإرهاب، ابتداء بالخطاب، مروراً بالمعالجات، وحتى البؤر الصانعة لمقدمات الإرهاب.
المفهوم الاصطلاحي للإرهاب يتباين في الآداب الإنسانية، فالكلمة مقرونة لدى العقل الجمعي الأوروبي بهؤلاء الذين يمكن وصفهم بأنهم «يعيثون في الأرض فساداً»، ومن هنا جاءت الكلمة القاموسية الأوروبية terrorist ، وبالمقابل يكتسي المعنى الأصلي في العربية دلالة الاستعداد لمواجهة الخصم من خلال التلويح بالقوة .. لكننا اليوم بإزاء مصطلح جديد اكتسى مفهوماً عالمياً مفارقاً للمعنى الأصلي، بحسب الأدبيات القاموسية العربية وغير العربية. لكن الأدهى والأمرّ من ذلك أن الجهاز الذهني المفاهيمي الإعلامي العالمي يقرن هذه الظاهرة بالميدان فحسب، وفي هذا قدر كبير من المخاتلة .. ذلك أن المُنفذين الميدانين لهذه الأفعال ليسوا بمعزل عن المخططين الضالعين في الترويج لهذه الظاهرة، وهؤلاء ليسوا انتحاريي الميدان، ولا هم قراصنة البحار، لكنهم أيضاً أمراء النبع الرهيب للإرهاب.
Omaraziz105@gmail.com