صحيح إن الإرهاب حسب وصف المجتهدين لا دين له ولا وطن ولا فكر سليم .. ولكن يجب أن نسلّم بأن له مسبباته وأسبابه وليس كل من ارتكب جرماً سواءً كان كبيراً أم صغيراً يوصف بالإرهاب.. إذ يجب هنا أن نسمي الأمور بمسمياتها.. وأن تُصنّف الجرائم بحسب تأثيرها وفعلها وتداعياتها وأنا هنا لا أرى مبرراً لوصف الجريمة بالإرهاب.. كون الإرهاب منظومة متكاملة منها امتهان الفكر المتطرّف واعتناق سلوك الإجرام والبعد عن الذات الإنسانية، وهذا فعلاً اجتهاد للإسهام في البحث عن مسببات التطرف ودوافعه والنوازع الشريرة التي تتقمّص البعض بغرض إيذاء المجتمع وإقلاق السكينة العامة والإضرار بمصلحة الوطن والمواطن.
الكثير من الكتّاب والمفكّرين والصحفيين مدعوون كما العلماء والمشائخ والمرجعيات إلى الوقوف أمام ما يعتمل في ساحتنا الوطنية.. وهناك جرائم متنوعة ومتعددة ومتشعّبة أيضاً، وهي في مجملها تُلحق الضرر إما بالفرد أو بالمجتمع أو بالوطن، تلك الجرائم تستوجب من الجميع البحث في أسبابها ودوافعها وإخضاع تلك الدوافع إلى البحث والدراسة علّنا بذلك نصل إلى مخارج لمعالجة تداعياتها أولاً ومن ثم تحجيمها وصولاً إلى حلّها.. فالذي يدافع عن حق مُغتصب أو مُعتدى عليه بالقوة بعد أن سدهت أمامه المنافذ الشرعية والقانونية قد يكون محقاً.. ولجوؤه إلى ذلك كان آخر خيار أمامه ولحالة فقدان البصيرة والتبصّر.. وهذا لابد أن يصنّف وفق الجريمة المرتكبة لا أن نصنّفه بالإرهاب، فالإرهاب من قصده بجرائمه إقلاق السكينة العامة والمجتمع وإلحاق الضرر بالمصالح العامة ومصلحة الوطن.
إذاً هناك بون بيّن من يرتكب جرماً لعداء شخصي وبين من يرتكب جرماً بقصد الإضرار بالمجتمع مع أن الجريمة ممقوتة في كلتا الحالتين.. كما أن العقاب هو أيضاً متباين ولابد هنا من الأخذ بالأسباب مع التسليم بأن غياب العدل قد يكون أحد الأسباب الرئيسة لفعل الجريمة.
ومع الأخذ بمبدأ العقاب كأهم الحلول الرادعة للحد من الجريمة فلابد من أن تتولّد فينا القناعة بأن إزالة مسببات المظالم لم تشكّل اللبنة الأساسية للحد ومن ثم المعالجة لكافة أنواع الجرائم.
في بلدان الدنيا تحرص الجهات المعنية على دراسة كافة الجوانب المتصلة بارتكاب الجريمة وإجراء البحوث اللازمة وصولاً إلى تشخيص مسبباتها حيث تخلص في النهاية إلى ابتكار الحلول والمعالجات وتقليص مستوى نسبة تصاعد انتشار الجريمة، أما عندنا فهذه القاعدة غير متواجدة وهذه من أبرز المآخذ السلبية التي تساعد على انتشار الجريمة.
الفكر المتطرّف بحاجة إلى مواجهته بفكر معتدل يقارع الحجة بالحجة السليمة وإقران ذلك التوجّه بخيار القوة والحزم في التعاطي مع الشواذ والذين سيكونون في نهاية المطاف قلة وكبح جماح تطرّفهم سيكون بالمنال أما التشدّد في مقارعة المتشدّدين دون خيار الحوار فإنه لا يجدي نفعاً في نهاية المطاف وتظل مسببات الجنوح لنهج الجريمة خياراً مفتوحاً.
ففكر من ينتمون أو يتعاطفون مع تنظيم القاعدة هو فكر شاذ وللحد من أخطار ذلك الفكر وإعادة المغرّر بهم والمخدوعين به إلى جادة العقل والصواب نجد أنها قد أثمرت لدى من عقدوا العزم على إعادة تأهيل المخدوعين بفكر القاعدة والولوج بهم في جادة الصواب و المطلوب منا هو البحث عن المداخل لاستقطابهم إلى حوار يزيل ما علق بهم من أدران الهوس والسير نحو المجهول وبما يحقق هدف جعلهم مواطنين صالحين.
قد يقول البعض افتراضاً إن الحوار أو المجادلة مع أولئك غير مجدٍ أو ممكن إلا أن ديننا الإسلامي الحنيف قد حثّ على المجادلة بالتي هي أحسن فالحروب التي إفرازاتها الدماء والخراب والرعب لن تقود في خاتمتها إلى السلام، والمطلوب ممن غُرّر بهم أو اختاروا طريق الظلام أن يتقوا الله وأن يدركوا أن مآلهم إلى زوال، وأن العودة إلى جادة الصواب تقيهم جحيم الدنيا وعذاب الآخرة.
والله من وراء القصد.