هناك ظاهرة يلحظها الباحث والقارئ في شعر الشعراء الشعبيين تفصح عن ميل معظمهم إلى الفخر والاعتزاز بالنفس، وهي ضرورة تفرضها مقتضيات خاصةٌ لعل من أهمها التحديات التي يواجهها الشاعر وبخاصة في “المدارة” أو “المساجلة” أو “الزامل” وما إلى ذلك، ومنها أن البعض من الشعراء يبدأ ردّه بذكر اسمه أو كنيته، ومن ضمن مَن أشار إلى هذه الظاهرة الدكتور عبد العزيز الصيغ في كتابه «المكلا القديم: أحمد محمد بكير» الذي وُلِد في العام 1280 هـ الموافق 1864م وتوفي في سنة 1359هـ الموافق 1940م تقريباً، واستهل الدكتور الصيغ هذه الظاهرة عند الشاعر أحمد بكير بإشارة وجيزة إلى ما يماثلها عند الشاعر القديم “سعيد هادي الشنظوري” الذي كان حاكماً لسوق المكلا، بل مقدماً على المكلا نفسها، وعادة ما يبدأ بدعه أو ردوده بالقول: «سعيد هادي يقول» على غرار الأقدمين أمثال “حميد ولد منصور”، و“بوعامر” و“ابن زايد” ومثال على ذلك قول “سعيد هادي” قال:
سعيد هادي يقول إن رِدِتْ تثمينك
اجعل لنفسك ثمن ما ينقص التثمين
وإن با تقطِّـــع عبـاد الله بسكينك
ما عذر لك با يقع لك قطع بالسكين
ويستطرد الدكتور عبد العزيز الصيغ بعد ذلك بالقول: «والشاعر بكير اتخذ الأسلوب نفسه مع اختلاف الموضوع، فهو لم يعن بإرسال الحكمة، وإنما كان يبدأ كثيراً من شعره بقوله «بوعوض قال» مثل قوله الشهير:
بوعوض قال صُبرن يا الزبرع المخالع
مثلما يصبر الصوري على بحر بوكين
وقوله:
بوعوض قال نا ماشي عليّْ باللوازم
إن بغيت السمر بسمر وإن قمت باقوم
وفي كتابه «باحريز شاعر المدارة» يورد لنا الباحث مجدي سالم باحمران عن الشاعر الشهير سعيد فرج باحريز المولود في العام 1905م وتوفاه الله في 1987 قطوف من فخر باحريز بنفسه واعتداده بها، مثل قوله:
خشم منصوب ما تبرح عليه الذبابه
دقَّه الوقت وأحكام القضاء والمقادير
من رضى بالمحله وسط هذي الخرابة
يلقي الكذب قاسم والمحازي تياسير
وقوله:
ونا مَـــاْ بَخْــرُجِ الزَّاْمِــلْ بَـــلَاْ سَكِّيْـــنْ نِتْبَــــرَّعْ
وكل رَقْبَــــهْ طَوِيْلِــةْ رَاْسْ لَهَــاْ آفِــهْ تُوَطِّيْهَـــــاْ
ومثال ثالث على الفخر والاعتداد، نستقيه من الشاعر محمد عوض الحباني – أبوناصر – من مواليد حارة الحوطة – مدينة الشحر 1919 – 1997م، حيث كتب عنه الباحث سامي محمد بن شيخان في «قطوف حضرمية من شعراء العامية - 5 -» يقول: إنه شاعر يشبه البراكين، لا تعرف متى ينفجر، ولا متى يهدأ، لنستمع إليه يقول:
سلام للجمهور من شاعر يرد السبت حد
من عند بوناصر وقف ع الخط ما بين الحدود
ويقول:
سلام ع الجمهور من شاعر على الحدري زفن
من عند بوناصر محمد لي تعلّم ع الزفين
يشهد له مكيراس والضالع ولي حلّوا بيَن
واهل المكلا كلهم لي خلّوا المخفي يبين
ويقول:
من الطويلة جيت بقبض فيك يا رأس الأسد
رأس الأسد ما يقبضوه إلا الدحاميل الرجال
قلّه قبضناه الأسد، كلْ من تخبّر أو نشد
قد كان رأس الحيد يرعى في شناطيب الجبال