غنائية المشرق العربي، وواقعية المغرب العربي، تجلَّت في اتهامنا القديم للرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بالفرانكوفونية المقرونة بالتواطؤ مع العدو الصهيوني لمجرّد أنه نصح العرب بقبول القرار الأممي الخاص بتقسيم فلسطين بعد النكبة، ولا داعي للقول إننا بعد ذلك خسرنا كل فلسطين، وشبه جزيرة سيناء في مصر، وكان علينا أن نخوض صراعاً عسكرياً وسياسياً مريراً لاستعادة سيناء، فيما ظلّت الضفة والقطاع تحت جنازير الدبابة الاسرائيلية العنصرية..!!.
إذا كان الرئيس الموريتاني السابق أعلي ولد فال قد قدَّم مأثرة مبكّرة في المؤسستين العسكرية والسياسية العربية؛ فإننا اليوم إزاء منجز انتخابي جديد يُرينا ما وصلت إليه موريتانيا من رشاد يفتح الباب لمزيد من متواليات الإصلاح الشامل، وقد سجّل المراقبون للشأن الاقتصادي الموريتاني تقدّماً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفع معدّل دخل الفرد، وتحسَّنت الخدمات العامة، وبدت البلاد على موعد مع نهضة مؤكدة، مُسيَّجة بالسِلم الاجتماعي المفقود في بقية بلدان الربيع العربي، وبالتوافق مع كل ذلك ارتفع خطاب الوحدة الوطنية الموريتانية العابرة للمكوّنات التاريخية العرقية، ولم يعد المستقبل المرئي مقروناً بأي شكل من أشكال الاستبعاد والتمييز، بدليل الخطاب المعلن صراحة من كامل المكوّنات الموريتانية ذات الأصول الأفريكانية، والذي سيكون له أثره المؤكد على الجهاز المفاهيمي الجماهيري للشعب الموريتاني الذي جمع الحُسنيين وفاض بتعدّد الثقافات، وكان ومازال مرجعاً للثقافة العربية الإسلامية الصافية.
ها نحن إذاًَ ننْعَمُ بجواب موريتاني لسؤال الحالتين المقرونة بالوجود والوعي في المنطقة العربية، ومن المفيد جداً أن نستفيد من تجارب المغرب العربي الكبير، ابتداءً من السَّبق الموريتاني، مروراً بالبراغماتية التوافقية الجزائرية، وحتى الطموح التونسي المُتقدّم في زمن التغيير الجبري.
Omaraziz105@gmail.com