الحلقة « 16»
( صلح انجرا مس ) الشهير عام 1936 الذي سمي باسم المستشار البريطاني في جنوب اليمن سابقاً “ وليام هارولد انجرا مس “ يُعد علامة فارقة في تاريخ حضرموت حيث نتج عنه بعد ذلك خضوع حضرموت “ القعيطية “ لبريطانيا تحت مظلة معاهدة الاستشارة البريطانية عام 1937 . ثم الكثيرية عام 1939 وبقي هذا الحال إلى طرد آخر سلاطينها القعيطي والكثيري وتحريرها عام 1967.كما نتج عنه ردود افعال متباينة في المجتمع منذ الإعلان عن صلح الثلاث سنوات الذي تم في العام 1936 بين القبائل تحت مظلة القضاء على الثأر والحروب القبلية . وفي حقيقة الأمر لم يكن هذا هدف “ انجرا مس “ لأن السياسة الخارجية البريطانية أصلاً كانت قائمة على مبدأ ( فرِّق تَسُد ). ففي مستهل صلح عام 1936 قبلت به جميع قبائل حضرموت لثقتها في المصلح الاجتماعي الكبير السيد / أبو بكر بن شيخ الكاف الذي بادر لإقناع القبائل لما له من مكانة واحترام في قلوب أبنائها.وعليه مدحه شاعر من “ تريم “ لا يحضرني اسمه بقصيدة بدأها مخاطباً ( طائر الأنس ) ملمحاً بهذه الصورة أنه في بلاد المهجر . ثم ثنى بالقول مسلماً على السيد أبي بكر الكاف قائلاً :
كرر بالسلام على رجال الجود
والعفه وفي طريقك تو سر
بذي الأبيات الى ابن شيخ ابوبكر
ومن عنده من اخوانه حضر
وبعد إهدائه التحية يعطف على ذكر مآثر السيد أبي بكر بن شيخ الكاف فيقول :
هو لذي التمهيــد قد مهَّـــد
وذللها بعد ماصارع قـــــدر
وفك الأغلاق وبتـّـاهابعــد
ما كانت صيـــــم في شعر
شــــــرَّق للناس شمس شارقه
في حالك الليل مظلم غدر
ثم يصفه برحمة من الله على حضرموت أزاحت همومها وطيَّبت شربها ونشرت الأمن والأمان بالصلح فسارت جمال القوافل محملة بالخيرات .فيقول :
يارحمة حضرموت وماسك
سكان الفلك لي مشحونه درر
لولاك ما انزاحت هموم أمعسِّره
ولا حالي في الحلق عبر
ولا ســـارت بالوادي جمــال
راتعـه ولا رفعو خفر
ولا كانت هتون الأمن هاطلة
كما هطلت ع الارض المطر
هنيئا بذا ياخالد الذكـــر هنا
وفي الجنــــات نعم المستقر
نجح ( انجرا مس) في خطوته الأولى للسيطرة على حضرموت بضمان جانب القبائل عن طريق ( الصلح) وعزل حركة عمر بن عبدات التي قامت في مدينة ( الغرفة) بحضرموت الداخل عام 1924 التي يرى فيها انجرا مس محرضاً للقبائل على التمرد ــ كما سيأتي موضوعها ــ .وبدأ يتطلع إلى الخطوة الثانية لفرض نفوذ بريطانيا على حضرموت فواتته الفرصة بمجيء السلطان صالح بن غالب القعيطي من الهند في فبراير 1936 ليتسلم حكم السلطنة إذ لم يمر عام على توليه الحكم حتى سعى لدى انجرامس لتمكين ابنه عوض بن صالح ليكون ولياً للعهد بعده متنكراً لوصية عمه في تولي ابنه ولاية العهد فوجدها فرصة انجرامس للضغط على السلطان صالح بن غالب لتوقيع اتفاقية استشارة بريطانية على حضرموت ، وبالفعل تم التوقيع عليها في عدن في 13 ـ 8 ـ 1937م بحسب ما جاء في كتاب الزميل الباحث / محمد سالم باحمدان المعنون بـ (عهد السلطان صالح بن غالب القعيطي في حضرموت 1936م ـ 1956م) .من هنا تكشفت للرأي العام الحضرمي نوايا بريطانيا في اخضاع حضرموت لسيطرتها فثارت بعض القبائل وحرض بن عبدات البعض منها وانقسم الرأي العام إلى رافض ومؤيد . وبما أن الشعراء هم مرآة لمجتمعهم يستشعرون بما يحيق به من ظلم وما ينتظره من مؤامرات ، ارتفعت أصوات بعضهم منددة وشاجبة لهذا الخضوع المزري لبريطانيا وعلى رأسهم الشاعر ( صلاح بن أحمد الأحمدي ) وهوشاعر حميني شهير له قصائد تعالج شئون المجتمع وتتفاعل مع قضاياه على الرغم من أنه كان مهاجراً في الهند بحيدر أباد. وكذا الشاعر الشهير / خميس كندي وآخرين .
تميزت قصيدة الشاعر ( الأحمدي ) بالوطنية واستنهاض الهمم في مواجهة الخطر المحدق بهم وبالوطن وفيها يقول :
( لكنني تأثرت من خفض الشرف بعد الصعود
أخبار بلغت ما تسر القلب من أرض النجـود
راحت جهة لحقاف لحمة فاس سرحت بالبرود
راحت مع الصاحب بلا قيمة ولا عسكر يقود )
( في الحلقة القادمة سنعرض للقصيدة مع شرح أهم ما تضمنته فتابعونا )