الحلقة « 18»
الشاعر الشعبي الشهير سعيد فرج باحريز، شاعر شعبي عرفته مدينة المكلا بـ«فارس المدارة» وشاعر «الحارة» وهي حارة قديمة وشهيرة في المكلا، إتماز بخصوصية شاعرية فريدة، وعاصر العديد من الشعراء الكبار في الربع الأول من العام 1900م من أمثال الشاعر أحمد محمد بكير ومحمد باوزير الملقَّب «بوسراجين» والشاعر سعيد قشمر والشاعر عمر بانبوع والشاعر ناجي بن علي الحاج وغيرهم من الشعراء، ولاتزال أشعاره في الحكمة والفخر متداولة على ألسنة الكثير من أبناء المكلا مثل قوله:
قم يا عمر منصور الدنيا تبت وألا تجي
كزمه على فاقه ولا مغضاف يحنب في المصور
وقوله يفخر بنفسه في «مدارة» من مدارات لعبة «الشبواني» الشهيرة في المكلا:
يَـاْ حَيْــد بَـاْنَغُـلّقَــكْ لَاْ جِبْنَــاْ الْمَزَاْحِــيْ والْقِلَــمْ
بَاْتِطْـرَحِ الْقَدِيْ وبَاْيِصْبحْ ذِرَاْعَـكْ بُنَّتِيْـنْ
التَّمَرْ حِبُّهُ وِالْحَشَفْ نِقْضَمُهْ وَاعْبُرْ عَاَلْعَجَمْ
تِشْـرِقْ عَلَـي الشِّمَسْ مَـاْ نِـدْرَىْ بَهَـاْ تِشْـرُقْ مِنِيْـنْ
فهو يقول هنا إنه من صلابة ساعده قادر على تفتيت جبل بالمزاحي والقِلم، وهي أداتان من أدوات الحفر والتكسير إلى أن «تطرح القادي» أي تستسلم ويصبح حجمك «بنتين» أي «هنشين» تصغيراً للشيء.
وأنه يحب التمر و«الحشف» أي ما يبس منه يقضمه ويأكل نواته، ثم ينام هادئ البال لا يدري من أين تطلع عليه الشمس؛ أليست هذه صورة فنية قوية التعبير والبلاغة..؟!.
لنقرأ له مخاطباً فيصل العطاس الملقب «بالنعيري» حينما كان محافظاً لحضرموت:
فتِّحي يا عين عوره شيء السفينة ع القشارة
والقلم غلَّقْ مداده ع الذي هم با يكتبون
والصناديق الملآنة كذب وملآنه فيارة
يوم بيجها المفتش أهلها أيش با يقولون؟!
وهو هنا ينصحه بعدم التهوّر في اتخاذ القرارات الثورية التي جاءت بها الجبهة القومية بعد الاستقلال الوطني.
كما اشتهر بقصيدته الهائية التي قالها في مساجلة جمعته بطارق العطاس، أخ المحافظ فيصل العطاس، بعد أن طلب منه الأخير الرد على مطلع قصيدة أخيه الذي يقول فيها:
ودلوك لي سقط في البير معاد با يطلع
ونحن زهرة الدنيا وأولها وتاليها
فأجابه شاعرنا سعيد باحريز بقصيدة قوية في تحدّيها عميقة في صورها يقول فيها:
وَذَاْكْ الدَّلُوْ لِيْ قُلْتُوْاْ سَقَطْ فِــيْ الْبِيْـرْ بَاْيِطْلَـعْ
وَعَـاْدَكْ بَاْ تَشِلْ وَحْدِهْ وَوِحْدِهْ بَـاْتَخَلِيْهَــاْ
وَمِـــنْ غَـــرَّاْكْ لَاْ تِغْتَــرّ وَمِـــنْ طَمَّعَــــكْ لَاْ تِطْمَــعْ
وَلَاْ شِفْتْ السَّمَاْءْ سُوْدَهْ تَعَــوّذْ مِنْ مَنَـاْشِيْهَــاْ
وَنَاْ مَاْ بَخْــرُجِ الزَّاْمِــلْ بَـــلَاْ سَكِّيْـــنْ نِتْبَــــرَّعْ
وَكُلْ رَقْبَة طَوِيْلةْ رَاأسْ لَهَاْ آفِةْ تُوَطِّيْهَاْ
بَغِيْتِ الصِّـدِقْ وَالْوَاْقِـعْ سَبُــوْلِــهْ خَيْــرْ مِــنْ مَقْلَــعْ
وَنَــخْلِهْ مَــاْ تَعْشِّــيْ ضَيْــفْ قَعَرْهَاْ لَاْ تَخَلِّيْهَاْ
ثم يعطف على الشاعر طارق العطاس في قسوة التحدّي فيقول مخاطباً إياه:
صُبُر با يجي لها فارِع من الشارعْ وبايفرعْ
وكل مَن سرَّحَ النشرة بيده بايضويها
وللأيامْ سكرتها تَبِتْ وتقــــولْ لك برجعْ
كما اللي يخرِّجِ الكلمة ويرجع ما يوفيها
في الحلقة القادمة سنتناول ما أشرنا إليه من ميزة الشاعر باحريز وهو «الفأل».